زاد الاردن الاخباري -
شركاء في الفساد
بقلم: أحمد محمد اللوزي
إن أزمة الثقة المتبادلة ما بين المجتمع ومجلس النواب وانتشار ثقافة الشك ليست حالة فردية فقط ولكنها حالة مجتمعية شاملة يجب إعادة النظر فيها في المستقبل. فإن ما سمي "بالانتصار" الشخصي الذي أحرزه مجلس النواب يكمن في هوس "الانتصار" وتعاظم ظاهرة الانفراد والاستئثار بمقدرات المجتمع لصالح المجلس النيابي, وإن تغليب الفساد والعنف المجتمعي بطابعه لإقصاء الآخر ما هو إلا خطوة اتخذها مجلس النواب للكشف عن وجهته الحقيقية في التستر على هموم المواطن والوطن ومساعدة علنية للمفسدين, وتعزيز الشخصنة في القيادة السياسية والحكومية وتعدد الحواشي السياسية والإدارية والمدنية ,والتي تغتال الإرادة الشعبية الفكرية والثقافية والمهنية ومقومات الأمة, وتطوعها لخدمة المصالح الشخصية, مما توسع الفجوة بين الإرادة الجماهيرية الخلاقة والمسالك السياسية الحكومية , والتي تحقق للايدولوجيات المتجددة العبثية لتحصل على موطئ قدم في رقع دموية وثورات وشيكة للمجتمع.
فالمجلس النيابي ما هو إلا عبارة عن عقيدة اقتصادية جشعة جديدة تنتهج الأزمات المفتعلة كمعبر لتجارتها , تؤدي لصراع قومي لتفكيك المجتمع وفق مبدأ شخصنة الأهداف, وبالتأكيد جرى باستخدام أدوات امتهنت الابتزاز وطرحت نفسها مطرقة للتفكيك السياسي المجتمعي, عبر خصخصة الشخصية النيابية وتبويبها إلى اثنيات تساهم في إعادة هندسة المجتمع وفق فلسفة المستعمر الحديث, وبشعارات براقة كاذبة تركت المجتمع تحت طائلة البؤس المدمر وتفكيك الدولة والاستيلاء المنهجي على أصول الدولة في أعظم منطقة للاحتيال الكامل على مقومات الأمة , لتغطي على الفساد وانتهاك حقوق الإنسان والانفلات الأمني والاضطراب السياسي ناهيك عن إهمال العاطلين عن العمل والجياع والمهجرين لتمرير الاستمرار في نهب البلاد على حساب الآخرين.
إن المجتمع اليوم يخضع لإستراتيجية الأزمات الوهمية والمفتعلة لتحقيق الأهداف والغايات الشخصية, من خلال فلسفة ينتهجها مجلس النواب والأعيان معاً ضمن سياق القوة الناعمة الكيفية, ويبدو أن الأزمة الوهمية وافتعال الأزمة رائجة وبشكل كبير في ظل التناحر بين الأدوات والمسميات السياسية بعد ظهور ملفات الفساد, فأضحت تقامر فيها وتتاجر بنتائجها لتختلف جذريا في عقائدها وتوجهاتها وأجنداتها وارتباطاتها مع ركوبها موجة الهويات الفرعية الشخصية, وهذا ما يبرر شكل الدولة الغائب والعقيدة السياسية المفقودة وشكل الطبقة السياسية, وهشاشة المنظومة القانونية.
لقد ارتكب مجلس الأمة خطأً تاريخياً سيكون مسؤولاً عنه مسؤولية تاريخية في تجيير المصلحة الذاتية النفعية الشخصية مقابل غطاء التستر على الفساد والفاسدين، وما جرى هو مقامرة بحتة نتجت بسبب الثقة الشعبية العمياء بالمنظومة التشريعية.
وهذا ما يجب بدءاً من الآن إعادة اعتباره في الأجندة الشعبية عندما يتطلب الموضوع إعادة الثقة بالمجلس النيابي في دورته القادمة. وإلا فإن المجتمع بكامله سيكون شريكاً في الفساد وحليفاً استراتيجياً للفاسدين مقابل جزئيات قد يحصل عليها الفرد في البداية.
إن الفضيحة العلنية التي اتخذها مجلس الأمة هي عملية عصيان تشريعي على شكل إضراب مفتوح وتحدٍ ظاهر بين القوى التنفيذية والتشريعية أخذ شكله في عدم اكتمال النصاب إلا لحين تنفيذ المصالح الفئوية الشخصية لإنهاء كل ما هو عالق في ملفات الفساد وتبرئة المتهمين مقابل ضمانات بإقرار ما يرهق المجتمع ويلبي الطموحات الأنانية النيابية. متناسين جميع القوانين المؤقتة والأزمات الاقتصادية التي يعانيها المجتمع الذي بات مرهقاً نتيجة الديون التي سببتها له التحالفات الرجعية في تقاسم حصة الفرد بالمجتمع.
لقد بات الخوف يتعاظم من أن يفقد المجتمع حق تقرير مصيره ليصبح بشكل أو بآخر شريكاً في نحر نفسه، ومساهماً في إرهاق الأمة، إذا لم تتدخل الإرادة السياسية كما دعونا دوماً في إيقاف هذه النظريات الفئوية الشخصية وإعادة الثقة للمجتمع حتى لا نصبح جميعنا شركاء في الفساد وحتى لا يحاسبنا عليها المستقبل الذي بات قريباً.