زاد الاردن الاخباري -
كازينوهات الموصل الصيفية
نايف عبوش
الطبيعة الساحرة للموصل،تتجلي في كائناتها الطبيعية كلها.فحيثما وليت وجهك،ستجد للطبيعة لمسة خلابة،في تموضع مدينة الموصل على ضفتي دجلة،كأنها واياه توأمان.وكانت اطلالتنا على مركز المدينة،من هضبة البوسيف،كلما ذهبنا في عطلة نهاية الاسبوع،الى ريفنا العزيز،بعد عناء اسبوع الدراسة، توقد فينا مشاعر التأمل الوجداني،حيث تنساب الذكريات السارحة بسلاسة في مخيالنا المثقل بالتطلع، كما ينساب نهر دجلة الخالد من تحتها بأناة، ليحكي لنينوى قصة احتضانها الازلي لحوضه المعطاء.ولعل اطلالتنا الأخرى من اعلى هضبة المجموعة الثقافية،الى اطراف ساحلها الايمن،كلما سنحت لنا بذلك وقفة تأمل، تضيف للرائي،مشاعرا فياضة من الالفة الدافئة ،مع ايقونة الوجود الازلي لهذه المدينة الساحرة.
ولعل ظاهرة السحر الوجداني لهذه المدينة،تمثلت في جزء منها،بالكازينوهات السياحية،التي تعرف بالجراديغ،والتي كانت تتوسد الشاطئ الايسر للنهر، في المنطقة المحصورة بين جسر الحرية، والجسر القديم.وكان انتشارها يتزامن مع اطلالة الصيف،حيث يكثر روادها من كل الشرائح الاجتماعية،ولاسيما الطلبة ،حيث كانوا يستغلون وقت المساء للدراسة،في ذات الوقت الذي يستمتعون فيه بسحر الطبيعة،المتوافق مع تهدجات امواج دجلة،وتلئلؤ امواجه باضواء مصابيح المدينة.وعندها تتفتح قرائحهم علما ،وموهبة،وابداعا، وشوقا.
وكان الجميع من الرواد، يأنسون سحر الجرداغ،المتعايش ببساطته، بحب خالص مع المكان،ويحرصون على تناول المشويات فيه على نار الفحم،ويشربون الشاي المعطر بالهيل،والمخدر على النار ايضا،بعد الفراغ من العشاء.فهنا تجد كل عناصر الظاهرة الانسانية،من الجردغ،والطعام،والشاي،والشربت،طبيعية خالصة،وتتم بأعلى معايير الصنعة اتقانا،حيث لا مكان للاصطناع والزيف فيها.
كان الكل يتأخر في مكوثه الحالم في الجرداغ،حتى وقت متاخر، متمتعا بسحر المكان،وعذوبة النسيم على ضفاف دجلة،ولا يتعجل الرجعة الى مأواه،الا اذا شعر انه قد امتلأ بالراحة التامة،وأحس بالاسترخاء الحقيقي، وتمتع بجمال الطبيعة.
انها لقطة من دهاليز ذاكرة منتصف الستينات من القرن المنصرم،تتسلل بين الفينة والأخرى،الى ذاكرة حاضرنا ألمرهقة بإرهاصات المعاصرة،حيث تبلدت احاسيسنا المرهفة،بعد ان خطفت تلك الارهاصات،من مخيالنا الحالم،كل انثيالاته الوديعة.