ورط أحمد الكفاوين نفسه ، وورط الإخوان المسلمين ، في خطابه أمام جمهور مسجد الجامعة بقوله أن حكومة عون الخصاونة عرضت عليهم 25 مقعداً ، مقابل قبولهم " لقانون الأنتخابات " ومشاركتهم فيها ، فرد عليه زكي بني إرشيد ، بالنفي عن عرض الرئيس الخصاونة ، وأكد أن عرضاً أخر سبق وأن قدمته لهم حكومة سمير الرفاعي بعشرين مقعداً .
وفي الحالتين إن المساومات والعروض ، وأمر قبولها ونفيها ، كانت موضع تفاهم عابر للحكومات الأردنية وبين الإخوان المسلمين ، وأن هناك تقليداً من المساومات تمت برضاهما ، وبعضها أخفق بسبب الأختلاف بينهما كما حصل الأن حيث وقع التباعد وعدم الأتفاق على مضمون قانون الأنتخابات ، ولكن المحاولات جرت من الناحية المبدأية في السياق التاريخي على قاعدة العرض ، الذي يحتمل القبول أو الرفض ، وفي حالتنا الحاضرة ، قدمت الحكومة عرضاً مثلها في ذلك مثل الحكومات السابقة المتعاقبة ، وتم رفضه من قبل الإخوان المسلمين التي كانت شريكاً في تلك العروض وتتم المساومة ، على قاعدة التفاهم ، على الأغلب ، بين الحكومات المتعاقبة ، وحركة الإخوان المسلمين ، بل والتحالف بينهما ، طوال مرحلة الحرب الباردة ، في مواجهة خصوم مشتركين ، وفرت الحكومات من خلالها ، للإخوان المسلمين ، حرية العمل والتنظيم دون الأحزاب السياسية الأخرى في عهد الأحكام العرفية ما بين 1957 و 1989 ، إضافة إلى المواقع والوظائف والمنح والبعثات المقدمة لهم ، وهذا ما يفسر أن أبناء عائلات ذات إمكانات مالية متواضعة درسوا في جامعات أميركية وحصلوا على شهادات علمية متقدمة عبر منح قدمتها لهم الحكومات المتعاقبة ، أهّلتهم ليشغلوا مواقع أكاديمية ومهنية ووزارية ونيابية متميزة ، وهذا لم يكن ليتم لولا صيغة التفاهم والتحالف بين الإخوان المسلمين ، و بين مؤسسات الدولة الأردنية المتعاقبة ، فالمصلحة كانت للطرفين ومن الطرفين ، قبل أن ينفضّ التحالف على قاعدة الخلاف ، ويتحول الإخوان المسلمين من حليف داعم للسياسات الرسمية ، إلى معارضة سياسية حسب تطور الأحداث .
وهي تجد اليوم، أن في نفسها القوة والعزيمة ، كي تتحرر من معادلة التبعية التي كانت قائمة في حقبة الخمسينيات حتى نهاية الثمانينات ، في عهد الحرب الباردة وإصطفافها مع الأميركيين ضد قوى التحرر والتقدم على المستوى الدولي ، وفي مواجهة القوى اليسارية والقومية والليبرالية الأردنية ، على المستوى المحلي .
لقد تغير موقف الإخوان المسلمين الأن لعدة أسباب :
أولاً : لأنهم يقودون المعارضة السياسية والحزبية ويحرضون الحراكات الشعبية ضد السياسات الرسمية ، والعمل على تقويضها ، وإرباكها .
ثانياً : يشكلون إمتداداً لأكبر وأقوى حركة سياسية في العالم العربي ، حققت الأغلبية البرلمانية في الإنتخابات المغربية والتونسية والمصرية ، مثلما سبق وأن حققوا الأغلبية المماثلة في فلسطين عام 2006 ، إضافة إلى ذلك فهم شركاء في الحكم في عدة بلدان عربية هي الجزائر والصومال والسودان والعراق ، ويديرون قطاع غزة منفردين بعد الأنقلاب 2007 ، ويقودون المعارضة في سوريا واليمن والكويت .
ثالثاً : يسعون لأعادة وصل ما أنقطع مع الولايات المتحدة وأوروبا ، وإرساء التفاهم وتبادل المنفعة ، بعد أن أصبح الإخوان المسلمين أهم حركة سياسية عربية عابرة للحدود ، وهذا ما يفسر سلسلة الزيارات لقيادات " إخوانية " لواشنطن تحت مسميات ودعوات مختلفة ، سواء من قبل الخارجية أو مؤسسات بحثية ، وهدفهم واحد محدد تطبيع العلاقات مع الأميركيين بناء على رغبة ومصلحة الطرفين .
تغيرت سياسة حركة الإخوان المسلمين نحو السياسات الرسمية ، مثلما تغير التعامل الرسمي معها ، فوقع الخلاف والتباين ، بعد أن كان التفاهم والتحالف ، وهذا ما يفسر بدقة الحالة التي نشهدها بين الطرفين ، بين مؤسسات الدولة من طرف ، وبين مؤسسات حركة الإخوان المسليمن من طرف أخر .