لا أعتقد أن هناك من يستطيع سواء على المستوى الفردي، او الجماعي أو الحزبي ، او أية هيئة شعبية حكومية او غير حكومية، الادعاء بانه استطاع أن يطيح بالحكومة الاخيرة ، والمقصود هنا حكومة الدكتور عون الخصاونه , فقد سبقت الحكومة التوقعات فأطاحت بنفسها.
تكاد جميع التحليلات التي تناولت هذا الموضوع أن تجمع ، أن سبب الإطاحة هذا يعود لعدم قدرتها على التعاطي مع مجريات الاحداث ورسم صورة للمستقبل ، تخلو من الضبابية وتكون واضحة المعالم ليعرف الناس أين يتجهون.
ونحن هنا إذ نتحدث عن الحكومة ، نكن كل الإحترام والتقدير لرئيسها ولإعضائها كأشخاص ،فنتحدث عن الفعل لا عن الأفراد.
فلم يكن أحد من رؤساء الحكومات السابقين، قد اخذ من الوقت الذي أخذه دولة القاضي الدولي د :عون الخصاونه لتشكيل الحكومة , فتوقع الناس أن تخرج عليهم تشكيلة وزارية تكون قادرة على حل الجزء الاكبر من مشاكلهم، فكانت قد خرجت علينا بتشكيلة حكومية اعتمدت الجغرافيا كمعيار للاختيار، واعتقد ان ذلك كان نتيجة لعدم وجود قراءة كافية للاحداث الداخلية , ورغم ذلك اخذت الحكومة وقتها علًها تخرج بمخرجات مححدة ، من شانها اخراج البلاد والعباد من المنطقة المازومة إلى منطقة الامان، حيث كان رئيس الوزراء السابق قد أخذ من الصلاحيات والتفويضات ، ما لم يكن قد حصل عليه رئيس وزراء من قبل , وقد كان ذلك بهدف إعطاء هذه الحكومة، الفرصة الكافية لدراسة الوضع الداخلي والخارجي، دراسة موضوعية متأنية، وفهم نبض الشارع، والتعاطي مع جميع مكونات العمل السياسي في الاردن، على اسس موضوعية متدرجة في التطبيق ،لتحقيق خطوات اصلاحية بسياسة الخطوة خطوة، ولم يكن ذلك ليتحقق , فلم يقتنع الشارع بأن العربة قد وضعت على سكة الإصلاح السياسي والإداري ،ولم تستطع الحكومة استغلال هذا التفويض للتعبير عن القوة الكافية، بالخروج بمشاريع القوانين اللازمة الناظمة للحباة العامة ، التي من شانها تخفيف حدة التوتر، لدى الحركات الشعبية والحزبية , وبدلا من ذلك سكنت قي المنطقة الرمادية فتعرضت للضغوط من كل جانب ، ولم تستطيع المقاومة مما خلق لها مزيدا من الخصوم.
لم تستطع الحكومة السابقة أن تتناغم مع نبض الشارع، فالهيئة المستقلة للاشراف على الانتخابات مثلاً لم يرى شخوصها النور بعد ،أي لم يتم الانتهاء من هذا الملف ، فرحلت وبقي الملف عالقاً . ومشروع قانون الانتخابات الذي قدمته لمجلس النواب، لم يكن مشروعا متقدما عن سلفه سيء الذكر قانون الصوت الواحد , وقد سبب هذا المشروع خلق اعداء جدد بالجملة، حيث تم رفض هذا المشروع من القوى السياسية الإسلامية واليسارية والقومية والوطنية والحراكات الشعبية، وقد برز ذلك واضحا من خلال التحفظات التي اعلنت عنها هذه القوى، وشعارات الحراكات الشعبية التي اعلنت عن رفضها لهذا المشروع ،وسبب الرفض كان وضحا ايضا، فالمشروع المذكور، لم يكن ليسطيع ان يصل الى اعلى درجات التمثيل, إضافة الى محاولاتها تقزيم القائمة الحزبية بالشروط التي تم وضعها على اشتراك الأحزاب ،مثلما كان الرفض لتقسيم الدوائر الإنتخابية ،والعدد الوهمي لمجلس النواب القادم.
وقد كان واضحا لمن لا يعرف سوى أبجديات السياسة ،أن الحكومة السابقة، قد حاولت ان تطيل عمرها من خلال إطالة عمر مجلس النواب ،عن طريق التباطؤ في تحقيق القوانين الاصلاحية للوصول إلى دورة نيابية عادية، ينتج عنها تأجيل الإنتخابات للعام القادم ،وهذا ما كانت تدافع عنه باستمرار.
رحلت الحكومة وتركت آمالا عريضة كانت قد عقدت عليها ،رحلت وتركت كمَاً من الملفات العالقة، التي لها تاثير مباشر على حياة الناس , والتي نامل ان تستطيع الحكومة اللاحقة انجازها.