في طفولتي كنت من أشد المتابعين لمسلسلات وأفلام الكرتون ، الدون كيشوت بالذات كان يعجبني كثيرا ، ولا أذكر اني وقتها فوت حلقة واحدة منه .
أجلس متسمرا وكأن على رأسي الطير ، أتابع بشغف وتركيز ، بينما كانت الدعايات تقطع علي سكوني وشرودي ، وما أن تنتهي الحلقة حتى أصب لجام غضبي على كل شيء حولي ، فأنا متحمس لمتابعة الأحداث وما سيجري غدا ، والغد طويل وليس لدي صبر للانتظار .
كان جموح الدون كيشوت يأسرني ، واصراره على القضاء على الظلم والدفاع عن المساكين والمظلومين يحرك في داخلي أشياء لم افهمها وقتها ولكني شعرت بها ، بنفس الوقت كان يضحكني من أعماقي بمشهده ، رجل نحيل الجسم بملابسه الغريبة –ملابس الفرسان الجوالين- معتليا صهوة جواد هزلا لا يقل عنه نحولا ، مترافقا مع تابعه المضحك الفلاح البسيط " سانشو " .
القصة ككل لا تخلو من المفارقات المضحكة والممتعة خاصة عندما يتخيل الدون كيشوت بين حين وحين ، مشهد طواحين الهواء التي يرغب في رؤيتها ومحاربتها ثم لا يلبث أن يجد نفسه يعيش في سرابها وظلال تخيلاتها .
أيضا مشاهد تخيلاته الأخرى التي يظن من خلالها نفسه وسط معركة يقاتل فيها الاعداء ويدحرهم منتصرا عليهم ، ثم ما يلبث أن يقع في عمق واقعه ليجد نفسه متجولا على حصان هزيل أعجف ، حاملا سيفا متآكلا من أطرافه .
المضحك أكثر أن " سانشو " يصدق كل كلام " الدون كيشوت " ويقتنع بحروبه وانتصاراته .
أمور كثيرة أخشاها .... لكن أكثر ما اخشاه ....
أن تكون حرب مكافحة الفاسدين .... حربا دون كيشوتية .