زاد الاردن الاخباري -
يصادف شهر ايار من كل عام ذكرى مولدي والذي يؤجج في نفسي ما يؤجج من مشاعرمتضاربة في كثير من الاحيان وذكرى أليمة لا أعتقد أنها فارقتني أبدا مهما شغلت و دارت بي الأيام و السنون... هي الذكري الثلاثون لوفاة والدي (الأستاذ عبد الفتاح مفضي الخريسات) رحمه الله وتقبله, ورزقنا واياه الجنة وصحبة الأبرار و الصالحين. امين
رحل والدي عنا ورحل معه الكثير من رغد العيش والاستقرار والظل الظليل ولكنه أبقى معنا الكثير أيضا. ومما أبقى حب العلم و الاجتهاد والوطن و فوق كل ذلك حب الله وايمانه بعروبة الاوطان و عزتها.
و كحال كل من ذاق من كأس اليتم و مرارة الفراق كان لي و لاخوتي نصيب لم يخفف من مرارته الا استبسال الأم التي أصبحت كل شيء, فهي الماء والهواء و الظل. و التي ظلت واقفة كالجبل معطاءة كالنبع حانية و متفانية كجندي مخلص أو كراهب متنسك في محرابه.
ومما أذكر لأبي مواقف وكلمات حفرت في عقلي وقلبي الصغيرين, ومما أذكر عبارته الشهيرة لي: "بنت الرجال ما تهاب الرجال" وحرصه على التفاني و الاخلاص في طلب العلم و اتقان العمل. و فيما اذكر ليلة نمت فيها و لم اكمل الواجب المدرسي و كنت حينها في الصف الثالث فيما اذكر, و قد ايقظني بعد منتصف الليل لأكمل واجبي ويلقنني درسا في المسؤولية. و أذكر عنه كرمه و عطاءه و حرصه على اكرام الضيف و مساعدة المسافر و الغريب. و مما أذكر عنه حبه الشديد للأردن و عشقه للسلط و غناءه وأهازيجه السلطيه التي لم أكن أفهما ان ذاك.
أذكر عن أبي فكره الوطني و الاسلامي وايمانه بوحدة الأوطان ومازلت محتفظة ببعض كتبه الصفراء الرائعة. وفيما أذكر عنه جمال خطه و نظافة هندامه وريحه الطيبة وترتيبه لأدواته. عجبا للعقول الصغيرة كم لها ان تلاحظ وتتابع التفاصيل!
و قد كان أبي عاشقا متفانيا في عشقه. فقد عشق الفكر الاسلامي و عشق العروبة و الأرض و الأوطان.عشق السلط و عشق أهله وعشيرته و اخوته وأبنائهم و عشق عائلته و عشق العلم و الكتب و الأرقام و الحروف وكانت اخر وصاياه الصلاة و التمسك بكتاب الله.
كان أبي يلقبني باسم عمتي الغالية "حنيفه" رحمها الله وكان من أشد المحبين و المعجبين بها لقوتها الممزوجة بالحنان بخليط متميز. كيف لا و قد انقذته و ساندته يوم شارك ثورة الشباب وطالب بالاصلاح في زمن كان للاصلاح به هويه. أتساءل دوما أين من الممكن أن يكون أبي لو قدر الله له العيش؟ من الصعب التخمين لكن من المؤكد أنه لو أدرك الحراك الاصلاحي لكان معه. حاله كحال المخلصين.
أتذكر أبي الحاني الذي منع اخوتي الذكور حتى من ازعاجي وأختي الصغيرة و الذي كان يكفيني اطلاق صرخة الانزعاج من أحدهم حتى يصب علي الجاني الغضب الأبوي و تأتيني النصرة و الغلبة. فلم يكن يسمح أبي بايذاء البنات. " ما أكرمهن الا كريم". أتذكر أبي الكريم الذي كان يخالف رأي أمي الحبيبة اذا قالت "كفى" لعطاء أو هبة أو هدية. كان العيد أبي...يأخذني للسوق ويشتري لي ما أتمنى مهما كان أو بلغ ثمنه...كان أبي كل شيء...
كان أبي يداعبنا دائما و يسالنا من تحبون أكثر أمكم ام أباكم وكان ياتيه الجواب بلا تردد "بنحب أبونا أكثر" و كأنه يرسخ لحب السنين الذي افتقدناه فيها..
ثلاثون عاما مرت على فراقك يا أبي و لكنك باق ما بقينا و بقي احفادك و من يليهم. فأنت نحن ونحن أنت. فأنت خالد و هشام ومعن وأسماء وميسون وأبناءهم و بناتهم.
أبي الحبيب ...لن أوفيك حقك من رثاء و حزن و ألم فراق...رحمك الله و اسكنك فسيح جناته. امين.
ايار 2012
المهندسة أسماء عبد الفتاح الخريسات