لاشك ان خصوصية العقلية الفرنسية،واستقلالية الشخصية الفرنسية،كانت نموذجا ميز فرنسا عن غيرها من النماذج الغربية في اوربا.ولا عجب في ذلك،فالشعب الفرنسي معتد بقيمه وتراثه،وبالتالي فهو يأنف التبعية للغيرعلى الساحة الدولية.ولذلك فقد انتهجت فرنسا منذ جمهوريتها الخامسة عام1958،منهجاً يرتكز على القيم والخصوصيات الفرنسية،الامر الذي جعل السياسة الفرنسية،عبر كل تلك الفترة،تقف على مسافة واضحة من القطبين العظميين،في حقبة الاستقطاب الثنائي الامريكي السوفيتي. واحتفظت لنفسها بنهج سياسي واضح،يرفض مسايرة استراتيجية اي من القطبين في مناطق الصراع،فكان للصوت الفرنسي وزنه المعتبر في المحافل الدولية.واستمر هذا النهج المستقل حتى بعد انهيار نظام القطبية الثنائي ،وقيام التفرد الامريكي على انقاضه.
لكن ساركوزي بارتمائه المهين،في حضن أمريكا،وتفريطه بالنهج الفرنسي الخاص،اساء لعراقة الشخصية الفرنسية،ونال من صدقية مبادئها بتبعيته الذليلة،فبدا للجميع بما فيهم الفرنسيين،وكأنه مجرد دمية بيد بوش،ومن بعده أوباما،فصادرالخصوصية الفرنسية بشكل مسف،لصالح الهيمنة الأمريكية المتوحشة،التي تفرض من دون تردد،عولمة الثقافة الأمريكية على الشعوب، وتلغي خصوصيات الثقافات الانسانية للغير.
لقد فرط ساركوزي بالخصوصية الفرنسية،فدفع الثمن غالياً،وأطيح به من الرئاسة بعد فترة واحدة،حيث جاء تصويت الفرنسيين عقابيا له بشكل صارم،ليلقي به مدحورا إلى سلة مهملات التاريخ،فيصبح الرئيس الأسوأ على امتداد تاريخ الجمهورية الخامسة لفرنسا ذات النهج الخاص في السياسة الدولية.
ولابد من الاشارة في هذا الصدد،الى انه كان لدى الفرنسيين الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في الداخل الفرنسي،مما يسوغ لهم بسهولة إسقاط ساركوزي في الانتخابات،وذلك بالرغم من ان الانتخابات الرئاسيةالفرنسية تركزت على أهم قضيتين،هما الاقتصاد والمهاجرين.لكن العنصر الحاسم الذي أطاح بساركوزي كان قد تجاوز هاتين القضيتين المركزيتين،الى التركيز على تماديه في طمس الخصوصية الفرنسية،منذ ان ربطها بفلك التبعية للسياسة الأمريكية،الامر الذي جعل الناحب الفرنسي ينظر اليه،تابعا ذليلا للرئيس الأمريكي بوش الصغير،وخليفته أوباما.وبذلك سقط ساركوزي هذا السقوط المريع،فواجه مصيره بأقسى هزيمة سياسية له،خلال عمله السياسي،بعد ان عاقبه الشعب الفرنسي على نهجه التبعي، بولائه للبيت الابيض،الذي صادر بموجبه الخصوصية الفرنسية،بكل ثقلها التاريخي المعروف،لصالح القيم الأمريكية،ليلقيه منديلا متسخا،بمسح الغطرسة الامريكية في مزبلة التاريخ صاغرا،شانه في ذلك شان كل تابع ذليل.وباسقاط ساركوسي،انتصر الشعب الفرنسي لخيار نهج الخصوصية الفرنسية،واعاد هيبة الخصوصية التاريخية لفرنسا،الى مكانتها،والعودة بها إلى وضعها الاستراتيجي التوازني الدولي السابق.