يمكن القول :إن الخطوة الوحيدة التي قُطِعت نحو الإصلاح في كل مؤسسات الدولة منذ ارتفعت شعارات الإصلاح الأولى في سماء الوطن هي إنشاء نقابة المعلمين !
ولم تأت هذه الخطوة وليدة توجه أو نيِّة رسمية صادقة للإصلاح ، بل كانت نتاج قوة الحراك الذي نظََّّمهُ المعلمون لينتزعوا به حقا من حقوقهم من فم الدستور والأنظمة المغلقة التي تحتكم إليها حكوماتنا،وتجعل منها قميص يوسف تروغ به عن كل توجه يحقق مصالح الناس وطموحاتهم .
والمراقب لواقع الحال الذي تمر به النقابة الفتية ، يرى الخبث والمكر الرسمي لإفراغ النقابة من مضمونها ، وتقزيم دورها بحيث تنصرف نحو الأنشطة اللامنهجية ، و الأعمال التطوعية ،لتضيف عبئاً ماديا وهمًّاً جديدين على المعلمين جَنوا بهما على أنفسهم ؛عندما خالفوا بمطلبهم الشرعي دستور البلاد المنصف !
ولعل السؤال الذي يدور بين أوساط المعلمين ،وفي صالونات أعضاء نقابتهم : هل ستنجح الحكومة في توجُهها هذا في ظل وصول أسماء جديدة إلى مجلس النقابة مباشرة لم يشهد حراك المعلمين في جميع مراحله الفائتة لهم وجودا ،ولم يسمع لهم صوتا ؟ هل يمتلك القياديون الجدد تلك القوة التي تمتع بها أعضاء اللجان التي قادت الاعتصامات السابقة ونجحت في قيادتها ، واستطاعت في زمن قياسي ،استعادة ،بل فرض سلة من الحقوق للمعلمين ،لم تستطع أي قوة دبلوماسية رسمية أو نيابية تحقيقها منذ بدء المسيرة التعليمية في الوطن ؟
ويتساءل البعض وفق هذا الطرح ،عن احتمالية المواجهة بين الحكومة ونقابة المعلمين في الأيام القادمة ، وما هي حدود تلك المواجهة ؟
أذكر أن وزير التربية السابق الذي عاصر انتخابات النقابة عندما وُجِّه له سؤالا عن طبيعة العلاقة المتوقعة بين النقابة والوزارة مستقبلا قال : ستكون العلاقة بيننا " سمن على عسل "!
وفي تصوري المتواضع للمرحلة المقبلة ؛بناءً على معطيات الواقع وما تمخضت عنه مباحثات وتشاورات بعض أعضاء النقابة في مختلف تصنيفاتهم ولقاءاتهم ،إن العلاقة مرشحة لأن تكون فعلا "سمن على عسل"،لكن السمن منتهٍ ! أي" فاسد " يا معالي الوزير ! لذا فالمواجهة قد تكون قاب قوسين أو أدنى ، ولعلها ستكون المواجهة الأعنف ، والأشد وطأً على الحكومة بين كل أزماتها ؛إن تمتع الأعضاء الجدد بما تمتع به زملاؤهم قادة الاعتصامات الأولى !
إن أول ملفٍ سيحتقن شارعُ المعلمين عند فتحه مع الحكومة بشكل رسمي ،هو ملف أموال صندوق ضمان التربية ، الذي تقوم فلسفته على اقتطاع مبلغ متواضع من راتب كل معلم ترصد له ليُمْنَحَها نهاية خدمته دفعة واحدة ،تعينه على قضاء بعض حوائجه .
إن المبلغ الذي يُقْتطع لمصلحة هذا الصندوق أو – يُنْهب له – من رواتب المعلمين مبلغا لا يقل ابتداء عن خمس عشرة دينارا عن كل شهر، ولنا أن نتصور كمية الأموال التي تضخ إلى هذا الصندوق شهريا إذا ما علمنا أن عدد المعلمين العاملين يربو على المائة ألف معلم ، ونسبة الاقتطاع تصل في بعض أحوالها عند أصحاب الخدمة المتقدمة إلى حدود الأربعين دينارا !!فلو خسفنا نسبة الاقتطاع إلى عشرين دينارا شهريا عن كل معلم بمتوسط حسابي ،نجد أن المبلغ المقتطع لصالح هذا الصندوق (2) مليون دينار في كل شهر ،أي 24 مليون دينار سنويا ،وعلى اعتبار متوسط خدمة المعلمين (عشر سنوات)، ينبغي أن يتوفر في هذا الصندوق مبلغ (240 مليون دينار أردني ) الآن..!
إن المعلومات المؤكدة التي وصلت إلى بعض أعضاء مجلس النقابة ،وتتسرب إلى بقيتهم ، تؤكدُ إفلاس هذا الصندوق !!أي أنه" منهوب" !! أي تعرض لإعصار الفساد الذي ضرب الوطن من أعلاه إلى أدناه !!
وثمة سؤال يراود نفسه : في المقاصف المدرسية – رغم أنها لم تسلم من أصابع الفساد – تتم المساهمة بها بمبلغ (عشرة قروش/سهم) في بداية العام الدراسي ، وفي نهايته يجد المساهمون أن أل(عشرة قروش) عادت (دينارين أو دينارين ونصف ) ، بنسبة ربح تصل إلى 2000 % أو 2500%/ سهم،- علما أن العام الدراسي سبعة أشهر – وذلك على مستوى عشرة قروش!! فكم سيكون حجم عائدات وأرباح المبالغ التي تنزف إلى هذا الصندوق شهريا أو سنويا قياسا على هذه الحسبة؟وإلى مصلحة من تذهب ؟ لا أحد من المعلمين يعلم ...!!ولكن ربما يكون للمعلمين الحق بالمطالبة بأرباح أموالهم وعائداتها .
إن رحلة الإصلاح الملقاة على عاتق النقابة الفتية طويلة وشاقة في ظل تربع أخطبوط الفساد على كل مقدرات الوطن ومدخراته ، وتحتاج وصولا إلى ذلك إلى التحلي بكل متطلبات الدبلوماسية والقوة والثبات،تماما كما تمتعت بها بعض قيادات لجان حراك ما قبل النقابة ؛ فلن تجدي وحدها الدبلوماسية التي تهالكت جراء كثرة الاستخدام ،مع عقول ران على قلوب أصحابها الخبث والمكر ،والتخطيط والتآلف والتعاون مع آيدولوجيات الفساد، والفئوية العفنة ومن يدور في فلكها!