المراقب لحراك اربد خلال الفترة الماضية والقريبة , يلاحظ التزايد الكبير في زخم الحراك من حيث العدد والقوى المشاركة فيه , إضافة إلى ارتفاع سقف الهتاف والشعارات في المسيرات , وهذا يدلل على يأس الناس من الفرص التي مُنحت للدولة من أجل المضي في عملية الإصلاح الذي يطالب فيه الأردنيين ومحاسبة الفاسدين , و وصول الناس إلى قناعة بأن النظام قد اكتفى بما تم من إصلاحات , يعتبرها الشارع الأردني بكل أطيافه إصلاحات صورية , وعملية التفاف على مطالب الناس الشرعية في ظل إيمانه أن الشعب مصدر السلطات كما في العقد الدستوري , وعند النظر في خريطة الشارع المتحرك نجد أن الغالبية من المواطنين غير المؤطرين كانوا يرفضون الخروج سابقاً (من الأغلبية الصامتة) ولكن ما دفعهم إلى التمرد على صمتهم لقمة العيش التي تطاولت عليها يد حكومة الطراونة برفع الأسعار والضرائب.
والتساؤلات التي تفرض نفسها على المشهد وتبقى في رسم الإجابة:
*- لماذا عاد القوميين واليساريين إلى الشارع ليشاركون الإسلاميين وهم على خلاف عميق معهم سواء في الملف السوري أو في تفاصيل المشروع الإصلاحي؟!!
*- ولماذا الإسلاميين رفعوا من وتيرة التصعيد سواء في الحشد من خلال الفتوة الحزبية "آثـم" , أو ارتفاع سقف الشعارات والهتاف متجاوزة كل الخطوط وهم المتنكرون سابقاً لمثلها؟!!
*- وهل سيترك الإسلاميين من خرج خلفهم للدفاع عن لقمة العيش وحدهم في الشارع إذا حازوا على قانون انتخاب يلبي طموحهم السياسي؟!!
الطراونة اجتمع مع أحزاب المعارضة باستثناء الإسلاميين وحشد , وقال بأن قانون الانتخاب ليس شرط أن يرضي الإسلاميين إذا توافقت عليه الأغلبية والقوى الأخرى , هذا التصريح كان بداية انطلاقة جديدة للإخوان لشعورهم أنهم أصبحوا خارج المحاصصة , بعد أن تعايشوا فترة حكومة عون الخصاونة حالة من التزاوج التوافقي على جملة من التوجهات , في مقدمتها قانون الانتخاب الذي يناسب مقاسات الإسلاميين بعيداً عن القوى الأخرى , فكان دخولهم في شهر العسل العوني , بأن استكانوا عن الحراك فقل خروجهم إلى الشارع إلا في بعض حالات وبشكل رمزي حتى لا يقال أكثر مما قيل , وقد دلل على ذلك عودتهم إلى الشارع بفتوة " آثم " لأعضاء الجماعة , وبسقف عالي تجاوز كل الخطوط مع قدوم حكومة الطراونة , فالإسلاميين بدأوا بقراءة الملف السوري بطريقة أخرى بعد أن طال انتظار انتهائه كما يتمنون ليكون قوة دافعة لهم في الداخل الأردني , هذه القراءة جعلت الإسلاميين يعكسون المعادلة بأن الملف الداخلي هو القوة الدافعة لإنهاء الملف السوري والذي يشمل على محورين , هما:
1) دفع النظام الأردني باتجاه اتخاذ موقف صريح باتجاه إسقاط بشار الأسد المترافق مع الضغط الخليجي على الأردن(المقرون بالإنقاذ المالي) والتوجهات الدولية بقيادة أمريكا(المرتبط بالمساعدات المالية المحجوزة).
2)بداية ظهور إجراءات تدل أن النظام من خلال أدواته وعلى رأسها حكومة الطراونه تتعجل قانون الانتخاب ومن ثم إجراء الانتخابات لطي ملف الإصلاح بشكل نهائي , لذلك استدرك الإسلاميين خطورة هذا السيناريو الذي لا يمنحهم أغلبية برلمانية حيث بدأوا باستباق الملف السوري لتحقيق مكاسب سياسية أكبر.
الحكومة ماذا تريد ؟؟
1)إنهاء الحراك وإدماج الناس والقوى السياسية والحراكات الإصلاحية في المنظومة الإصلاحية التي رسمتها الدولة بعد أن قام مجلس النواب بطي أهم وأكبر ملفات الفساد المرتبطة ببيع أهم الموارد(الفوسفات وغاز الريشة مثال) ولذلك تستغل الحكومة أي افتعال أو خلاف أو حتى اختلاف في وجهات النظر بين أطراف الحراك وتعزيزه في ظل وجود الاختراقات.
2)الملف السوري , فزيارة الطراونه إلى تركيا تؤشر إلى انسحاب الأردن من حياديتها بخصوص الملف السوري , وبالتالي اتخاذ موقف متوافق مع الضغوط الخليجية , حيث بدأت بانتقاد عدم كفاية المراقبين الدوليين , وفي ظل وجود تيار معارض لهذا التدخل في الأردن والذي يقوده القوميين , يحتاج إلى دعم شعبي كبير , واستغلال ظرفية الربيع العربي , حيث لا يتأتى إلا من خلال تواجد الإسلاميين في الشارع الذي يتبنى قيادة الدعم الشعبي للإطاحة ببشار الأسد وهم من طالب بتدخل أجنبي لأجل ذلك , فاستغلت الحكومة هذه الحالة برفع الأسعار مما دفع الناس إلى الخروج للشارع خلف الإسلاميين.
القوى الوطنية الاجتماعية الصاعدة أين هي من هذه المواقف والسيناريوهات إذا تحققت؟!!
ما هو موقف الفعاليات الشعبية والفئات الصامتة التي بدأت تصرخ بأنينها؟!!
ونسأل عن الجموع غير المؤطرة والتي خرجت لتعبر عن مطالبها المعيشية , ماذا سيحدث لهم إذا خرج الإسلاميين من الشارع في ظل قبولهم بصيغة تفاهمية معينة وقبولهم بقانون انتخاب يلبي طموحهم؟!! هل سيستمر الإسلاميين مع الحراك حتى تحقيق كل المطالب(تعديلات دستورية , محاسبة الفاسدين , العودة عن رفع الأسعار)؟!! وماذا سيحدث لملفات الفساد التي أُغلقت من قبل مجلس النواب ولا زال الشارع يطالب بمحاسبة المسؤولين عنها؟!! , إذا تحقق للإسلاميين طموحهم النيابي فهل سيستمرون بنفس النهج الاقتصادي الممارس في العقد الآخير والمسؤول عن كل مشاكلنا الاقتصادية والسبب في ملفات الفساد؟!!
نترك الأيام تجيب , أم يجيب الإسلاميين..!!!