" طبلية " حبنا .. !!!

ما من وجبة إلا وكانت حاضرة في " حوش " الدار ، تجمع كل أفراد العائلة في موعد ومكان واحد ، تقرب المسافات بينهم جميعا ودونما إي حاجز ، بصريا وروحيا كانت تجعل من الابن يستطلع بكل الرضا وجه أبيه الأشم ويرى فيه آثار خيوط الشمس التي نالت منه طلبا للرزق ، وتمكن والده أيضا من تحري تفاصيل يوم أولاده وبناته فبنظرة واحدة على تلك الوجوه ، يستطيع إن يستنتج من الذي خرج من المنزل ليلعب في الحواري والشوارع ، " الطبلية " بالنسبة لنا كانت مجمعا للتآلف والتواد بل والوحدة الوطنية ، فهي تجمع أطباق الجارات الدرزية والمسيحية والفلسطينية والأردنية لذلك كانت سببا من أسباب فتح الشهية ، بل إن أجمل ما في بروتوكول "الطبلية " هو تناول الطعام جلوسا فلا مجال " للتربيع " أو " التكويع " فالأجساد قبل أن تتلامس بالأكتاف كانت تتواصل بالقلوب ..!!!

أجيال مرت في حياتنا ولم تدرك حقبة " الطبلية " في كافة تفاصيلها وشجونها لتقفز بفعل سياسات العالم الليبرالي الحر التي اتبعناها دونما أي إدراك لتعيش في حقبة " المطبخ الأمريكي " فالنمط أصبحا " غربيا " أو " أمريكيا " في قوتنا وزادنا ويومنا فما عاد هنالك " طبلية " تقرب أو تختصر المسافات بين رب الأسرة وباقي الرعية بل ولم يعد هنالك " نملية " نأخذ منها غمسنا من زيت الأرض و( زعترها) ، وفقدنا نفس الأمهات الطيب من " طبيخ " الدار ومن نفس جارات الحي ، فخدمة مطاعم الوجبات "الأمريكية " السريعة حلت محلها فما عليك سوى أن تتصل بها لتصل إليك وجبات " البيتزا والهامبرجر " بسرعة كبيرة تماما بسرعة القفزة التي قفزنا فيها من مجتمع الريف إلى مجتمع " العم سام " لتكون السرعة سمة من سمات العصر التي أبتلينا فيها على حساب كل شيء ، والسرعة بمعيار العالم الحر هي قيمة ولكن بالنسبة لنا كانت قيمة على حساب الموروث والمضمون ..!!

بالنسبة لي أنا لن أشتم " المطبخ " الأمريكي ولا " البيتزا " ولا " الهمبرجر " بل يدفعني الشجن والحزن على فقدان حقبة " الطبلية " أن أتساءل لما أخذنا من "أمريكا" فقط مطبخها وأصناف وجباتها السريعة ولم نحاول لمرة واحدة كأمة عربية أن نستوعب أسباب علو شانها علينا وعلى العالم أجمع في باقي مجالات الحياة ...؟

مع تحيات عاشق لحقبة " الطبلية " كتب هذه الكلمات على طاولة " الطبلية " ...!!!