امتاز التراثي الراحل الشيخ حمادة الجاسم،المعروف في الوسط الاجتماعي بكنيته الشهيرة(ابو حسن)،عن غيره من شيوخ الديرة ووجهائها،بأنه كان عارفة محنكا بالفطرة،وحكواتيا بليغا بالسليقة،ونسابة معتبرا بالأثر.فكان ينشر البهجة والدعابة بين الناس المحيطين به،في مجلسه بديوانه،او بمجالس الدواوين التي كان يدعى لها لأي مناسبة،فينعش الذاكرة الجمعية للحضور،بأسلوبه السردي الساحر،عندما يسترسل بالحديث عن التراث،والديرة وعاداتها،وحكايات البادية ومأثورات اهلها.
كان حاضراً بجدارة في الساحة الاجتماعية،ويتصدر المجالس بالدعابة والفكاهة،التي طبعت شخصيته الريفية على مدى أكثر من تسعين عاماً.فقد عاصر الكثير من الشخصيات والأعلام والعوارف،وشارك في تسوية الكثير من الفصولات العشائرية،وحسم النزاعات الاجتماعية،لما تتميز به اراؤه من حنكة،وما تحظى به من مقبولية في الأوساط الشعبية.
وكان في كل ما أبدعه من الطرائف والفكاهة والأمثال،حكواتيا تراثيا بارعا لا يجارى،اذ يجيد بلباقة استخدام أدواته التعبيرية،بإيماءة اصبع،او طرفة عين،او هزة رأس،او ضحكة ساخرة،فيعرف كيف يثير الانتباه،ويلفت انظار الحضور اليه بسليقته الشعبية المحببة،التي يوظفها بعفوية،في سرد حكاياته المبتكرة،التي يستلها من دهاليز ذاكرته بفطنة،ويرويها بكلمات عامية،مليئة بالصور المعبرة،ومرصوفة بأناقة عالية،تقترب بجزالتها من ايقاع الشعر الشعبي.وغالبا ما كان يستبق حكاياته الشعبية قبل روايتها لجلاسه،بأمثال بليغة بمدلولاتها الرمزية تعبيرا عن المراد،يستجلبها دون عناء من اخاديد ذاكرته المتوقدة،حتى تحس كأنه يستولدها من جيب دشداشته،في سرعة بديهة خارقة لا مثيل لها.
لقد جمع في ما أبدعه،او تداوله من حكايات،وروايات،وقصص تراثية،بين الطرافة،والتراث،والتشويق،والنقد،والحكمة،والنوادر،والمفارقات،والمزاح، والفكاهة،والنكتة،بتلقائية بعيدة عن التصنع،سواء حكاها بقصد الترويح،او ساقها للعبرة،او اطلقها لمجرد المماحكة.ولعل ما حواه من معرفة متراكمة في شتى فنون التراث الشعبي،اضافة الى قدراته الشخصية الابداعية على الحبك،هو ما اهل محكياته الظريفة،لان تكون مرجعا معتمدا في التراث الشعبي،حيث لا زال الناس يتداولونها على كل لسان بإعجاب مفرط،بعد رحيله،كأنهم قد سمعوها منه للتو.
ومع انه عرف بفراسته الحادة،ولسانه السليط على ما لا يروق للمناسبة، لكنه كان لطيف المعشر،مزاحا،وكريما،يعرف كيف ومتى يخاطب جلساءه،من الرواد،أو عابري السبيل،الذين اعتادوا ان يقصدونه من كل حدب وصوب،للاستمتاع بأحاديثه الشيقة،ونكاته الطريفة.
وهكذا يبقى العارفة حمادة الجاسم،بما تركه وراءه من أمثال،وحكايات، وطرائف،نموذجا تراثيا متميزا،احتل مكانة راسخة في اعماق الذاكرة الريفية للديرة،لا ينازعه فيها منافس،وإلى أمد قد يطول.