في القاموس المحيط...و"العَوْدُ أحمدُ"، أي: أكْثَرُ حَمْداً، لأِنَّكَ لا تَعودُ إلى الشيءِ غالِباً إلاَّ بعدَ خِبْرَتِهِ، ولكنّني هنا اقصد العودة إلى الوطن الذي خرجت منه حاملا إسمي أحمد قبل سنوات وطموح ان اعيش براحة حتّى أقابل وجه ربّي حيث يشاء وأنا أعود إليه وبدلا من ان اجد الناس اكثر حمدا لله على نعمه وللحكومة على أفضالها لم اجد سوى الشكوى والنكد بين مكوّنات المجتمع ومنها جميعا حتّى بين الرضّع وحديثي الفِطام كما وجدت الأحذية يتقاذفها النواب على بعض كورود محبّة بينهم بدلا من القُبل ولا تسمع جوابا لسؤال احدهم كبيرا او صغيرا عمرا وشأنا عن حاله إلاّ ويكون الجواب انّه قرفان ولا يريد ان يتكلّم او يكتب او حتّى يسمع وكأنّه فاقد لأقاربه او عزيزا عليه .
ووجدت كبار القوم بين محجوز ومكفول وكفيل ومتهم ومسافر وراكض نحو حقيبة وكرسي وناهب لحقّ غيره ومُعذّب لمسكين ومُعاق وآكل لمال يتيم وفاجر وناكر لجميل أو مخادع لعابر سبيل أو مشغول بجمع المال والغسيل أو كاتب كاذب بلا دليل او يتعالج ويترفّه خارج سور الوطن .
وكما وجدت العامّة بين بكّاء وشكّاء وصامت أخرس ولاه في تنفيخ الارجيلة ولعب ورق الشدّة أو قاتل لأهله أو هائم على وجهه لا يدري اين السبيل أو مُقترض يبحث عن طريق السداد للبنوك أو للغير أو باحث عن زوجة اخرى بلا اكباد ليجدّد شهر الدبس إن بقي به طعم غير علقم الحياة أو باحث في حاوية عن كسرة خبز أو حارق لنفسه او منتحر من على خزّان ماء .
ووجدت منافقين كُثر يلهثون وراء كبير لدعوته على وليمة او يحضرون عزاءا في قريب كبير او يستعجل في تهنئة وزير إلاّ من رحم ربّي من الطيّبين المسالمين الصادقين العابدين .
ووجدت حكومة تحنّط وزراؤها فنسيهم الزمان من ايّام الجدود وبقيّة منهم انتسبوا لجهاز التعيين والتفضيل (والتي تُوصي بحسن السلوك) حديثا والبقيّة الباقية خدمتهم الظروف والاوضاع واحتدام المناكفة وحب الإنتقام وهي حكومة بات وزراؤها وكأنهم من جهابذة الرياضيات لاهون بوضع معادلات لرفع الأسعار على ان لا تمسّ شريحة الطبقة المتوسّطة غير الموجودة اصلا وزراء لا يستطيعون عدّ ابنائهم او حفظ اسمائهم لكبر انتمائهم للوطن ولتفانيهم في خدمته والسهر على جوع وموت ابنائه براحة ويُسر .
حكومة ترفع سعر البنزين لتمنع او تُقلّل من الحرق البوعزيزي الإختياري وقد ترفع سعر المياه لأن الموت عطشا ارخص واقل كلفة على الدولة والمواطن وقد ترفع سعر السكّر للتخفيف من نفقات علاج داء السكّر .
وكم حزنت على وطن نحن ابنائه لم نستطع الحفاظ عليه من الجهل والفساد والبلادة في التفكير لم نستطع الابتسامة لعدّة عقود بعد ان عقدنا العزم ان تحيا الجزائر ايام العزّ وعقدنا العزم الآن ان نموت نحن بنيران الفساد والاسعار وبنزين 90 .
لا أحد راض في بلدي ولا أحد قانع في وطني ولا أحد يشك انّ القادم أسوأ والخوف يملأ الصدور والرعب يغزو القلوب والكلّ متأكد ان لا أحد غير جلالة الملك يعمل من اجل مصلحة الوطن والمواطن أو يشعر بإحساسات الوطن والمواطن بينما معظم الباقي من الوزراء والنواب والمسؤولين هم مجرّد منتفعين يديرون دفّة الصلاح لمصالحهم والفوائد لجيوبهم والوظائف لأقربائهم والكل راض لأنه منتفع والكل غير راض ولكنّه خائف ولا نستطيع القول للبلاد إلاّ سيري وعين الله ترعاك لكي يرى من يتبقّى اين يكون مرساك وماذا يكون لون ثراك .
عدت لكي آوي جسدي في ثراك ولم اجد متّسعا أو أحدا يعلم بلاك ولم اجد اكفّا تحمل أكفاني فهي لاهية تصفّق للجاني والسنة لا تنشغل بذكر الله فهي منشغلة بالأغاني وقلوب لا تنتظر رمضان للخشوع وانما تحضّر الطعام بمختلف الألوان .
وانسحبت عائدا حيث كنت تاركا كراهية ونفاقا ونكدا وفسادا عدت أُلملم أحزاني .