جرائم موجعة بأيد صديقة
أحمد عطاالله النعسان
لقد تعبت أبصارنا من مناظر الدم البريء المسفوح لإخواننا هنا وهناك... وأرهقت أسماعنا من سماع أنين الأخوة يستنجدون بنا وبكل حر في هذا العالم دون أن نحرك ساكنا... وذبلت نفوسنا نتيجة الإحباط الذي زرعته وما زالت تزرعه حكوماتنا المتعاقبة فينا من تهميش وإنكار وعدم شعور بالآخر... كل هذا كنا نسمعه بقلوب رافضة له وبعقول منكرة لهذه الأفعال الإجرامية هناك وغير السوية هنا... ولكن الحزن تملكني وانتابني شعور بالقهر ممزوجا بالإستغراب والإنكار عندما قرأت عن الجريمتين اللتين حصلتا مؤخرا داخل عائلتين في الأردن... جريمتان لم يكن الجاني فيهما جيش "بشار" ولا شبيحة "ماهر" ولم يكن الجاني بغريب عن المجني عليه بل كان يجمعهما دم واحد وجينات واحدة بل وأسرة واحدة ويأويهم بيت واحد... في الجريمة البشعة الأولى حدث يقتل أربعة من أفراد أسرته بدم بارد ويتحدث عن الجريمة وكأنه يوصف فلم رعب أو قصة مقرفة قرأها إن كان يقرأ أصلا والسبب برأيه أنهم كانوا يضايقونه... والثانية جريمة أبشع كان الجناة فيها هم الأب والأم والإبن الحدث والضحية الإبن الآخر... وأكثر ما ضيق صدري وآلمني صراحة هو أن الأم كانت مشتركة بالجريمة وحسب الرواية الأمنية أن الأم كانت تشجع الأب والإبن الحدث على توجيه الطعنات القاتلة لإبنها الآخر بحجة أنه مشاكس ويثير المشاكل... هل انعدمت الحلول العملية والمنطقية والصحية للتربية، هل نحن أمام جريمة بدأت تنتشر على نطاق واسع في الأردن.
جريمتان بشعتان تركتا أثر أكثر من مؤلم في نفس كل سوي وولدتا الكثير من التساؤلات في عقل كل متابع ومهتم... ففي هذا الزمن الرديء الذي تنتشر فيه الرذيلة والفحش كانتشار النار بالهشيم وتغيب فيه الرقابة الأسرية والتواصل الإجتماعي عن قرب بالطبع وليس عن طريق "الفيس بوك وتويتر ويوتيوب"... أصبحنا نقرأ ونشاهد ونسمع عن أشياء لم نعهدها سابقا ولم نسمع عنها حتى في الماضي القريب وليس البعيد... لهذا يتوجب على الأسر وأولياء الأمور أن يتواصلوا مع أبنائهم ويتناقشون معهم بكل أمورهم بمودة وحب وليس بأسلوب التحقيق العسكري في سجون المخابرات السرية في الدول العربية... يجب أن نستمع للمسيء قبل المؤدب؛ لأن المسيء قد يكون معرضا للإنحراف والإنضمام إلى أصدقاء السوء وما أكثرهم في هذه الأيام... بصراحة نحن نعاني أزمة حوار واتصال ليس بين النظام والشعب وحسب ولكن بين أفراد المجتمع نفسه وفي إطار الحي والمدرسة والأسرة... فالعنف يولد عنف والقسوة تولد جفاء ونكران، والتمييز بين الأبناء يولد الحقد... وقد حضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث نبوية شريفة كثيرة ومتعددة على العناية بالأبناء لأنهم أمانة وكل أب وأم مسؤولين عنها أمام الله جل جلاله... وقد أوصانا عليه الصلاة والسلام بعدم التمييز بين إبن وآخر وقال:"ساووا بين أولادكم في العطية"... ومع أن الخطأ يجب ألا يقابل بخطأ ونحن لا نبرر هنا للجريمة ولكن نحذر الآباء وأنا منهم من الإفراط في القسوة أو العنف أو التمييز بين الأبناء أو الإبتعاد عنهم وأنا أعرف الكثير من الآباء الذين لا يعرفون إبناءهم بأي صف أو مرحلة دراسية فهل هذا معقول أو مقبول.
ومما سبق نستنتج أننا نعيش في زمن غير الزمن وأخلاق غير الأخلاق ومغريات تغزونا وأولادنا من كل حدب وصوب ومفسدات سهلة ومسهل لها لأن الضرائب تتجاهلها بالغالب، وهذا يوجب علينا أن نربي أبناءنا على الفضيلة والأخلاق الحميدة، وأن نزرع فيهم حب الخير والعطاء ونعلمهم طرق الحوار والتواصل مع الناس بالأسلوب الحضاري الأمثل وليس بأسلوب "هات القنوة والحقني" الحاصل في جامعاتنا وطرقنا وحاراتنا هذه الأيام، فالأبناء أمانة في أعناق كل واحد منا فعلينا أن نستثمر بهم حتى يكونوا تجارة رابحة إن شاء الله لننول رضا الله أولا ومن ثم بعونه تعالى برهم وسلوكهم للطريق السوي المستقيم وابتعادهم عن الشر وأهله... نسأل الله جل وعلا أن يهدينا ويهدي أبناءنا حتى لا نسمع مستقبلا عن مثل هذه الجرائم التي تقشعر منها الأبدان.
http://www.facebook.com/ahmed.alnaasan