قوانين الانتخابات كلها قاصرة.. ولا يرضيني حتى قانون عام 1989م، واعترض على "الهيئة العامة" - كما سموها مؤخرا- وما لها من حق انتخاب وحق الترشح.. لكني: لا انظر لاستقامة القانون وقصوره بقدر ما انظر لتطبيقه ونفاذه على الجميع.. لأن في ذلك نوع من العدالة.
ولأن إرادة التغيير الإصلاحي تحتاج إلى بوصلة وطنية سلمية.. لا بديل عنها لتحقيق الهدف، ويجب أن تحكمها إرادة الإصرار. فأن التغيير يحتاج منا لإعادة صياغته على شكل مشروع وطنيا، نُدخل معه حسابات الربح والخسارة بعناية فائقة، لتكون مخرجاته شمولية وايجابية على صُعُدِ التنمية كافة؛ السياسي منها والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. لطالما ندعي أن هدفنا حماية الوطن، ورفاه المواطن.
وعليه.. فان عنصر التغيير العام، يرقى للصناعة الأهم، لمواكبة متطلبات الوطن، والخلاص من شوائب المراحل التقليدية، التي انحطت في فلتةِ زمن، إلى مستوى العصر الجاهلي، في مناكب تيسير شؤون مؤسسات الوطن، بأبعادها الإدارية والمالية والملكية العامة.
استذكر ذلك معكم.. لوجود موجة معارضة لقانون الانتخابات، وللتمحور حول معارضته.. خصوصا من الحراك الإصلاحي الذي اعتبر نفسي منه وداعما له... ولا أريد أن اعدل على الحراك الإصلاحي، كي لا تحسب علي نصيحتي هذه لهم.. تعاليا على فهمهم أو أفقهم السياسي.. لان رأيي هنا: المشاركة وبقوة لصناعة التغيير وقبول التحدي. وأُذَكر: إنها الأردن ميدان الأردنيين كلهم.. والطبيعة لا تقبل الفراغ.. وأدعو للمشاركة على كل الصعد: الترشح والانتخاب والنقد.. والاهم المراقبة، ومتابعة سير العملية الانتخابية في كل مراحلها.. حتى إعلان النتائج، ومنع أي تزوير، أو شراء للأصوات، والذمم، والبطون والحاجات.. اصنعوا قوائما سوداء لهؤلاء العابثين القذرين..
صرختي أردنية أوجهها للحراك الذي نعرفه ضميرا وطنيا مرهفا وخلاقا.. نعم قد يشغلوننا، ولكنها تجربة تستحق التحدي والثراء بمخرجاتها.. وهي منعة من الانزلاق لدوامة العنف الهدام والذي قد يدخل الأردن لما لا نريد.
وأُذَكر.. عندما هبت عشائر العياصرة في بلدة ساكب من محافظة جرش.. هبة رجل واحد - في انتخابات السادس عشر - وكان لهم نجاح النائب باسل العياصرة نجاحا كاسحا وحاسما لا لبس فيه؛ يومها كسب مصداقية عالية كنائب وطن.. لان حجم الأصوات عرمرم والإجماع كاسح.. فلم يلوث نائبهم بتهم التزوير، ولم يحسب على أي جهة.. والأجمل: انه كان فيهم من يصلح ذات البين، ويجمع العشيرة على قلب رجل واحد، لصالح مرشحهم.. على أنه يستحق وفيه الصفات المناسبة لتمثيل أحلامهم الوطنية.. فلم يندموا على اختيارهم. وكان فيهم: من يراقب الأداء، ومن يحصد التأييد، ومن يحوسب البيانات ومن.. ومن.. ورغم الأداء غير الشعبي للسادس عشر، وتهم تزوير نوابه.. هناك نموذج العياصرة.
لا أريد أن اتهم الإسلاميين، ولتأكيد احترامي لهم.. أقول لهم: قاطعتم الانتخابات أكثر من مرة ولم يؤثر ذلك بمسار الإصلاح، ولم تتمكنوا من الوصول إلى أغلبية تؤثر في القرار السياسي والتشريعي الأردني عبر نهجكم السياسي.. في حين أن الإسلاميين في مصر أصروا على الانتخابات فأحسنوا الأداء ففازوا. وقبلهم حزب العدالة والإصلاح التركي، اقتحم الساحة بما توفر له من أدوات فنجح نجاحا باهرا.. ولعمري إن فيهم أسوة حسنة.
لا شك أن هناك من يستهدفكم.. ولكم خصوم، لكن يجب أن لا نذعن لنظرية التأمر المطلقة.. ولنثق بأنفسنا، وبان المطلوب منا العمل، ولنحسن الضن بالله.. فلولا حسن الضن لخاف سيدنا إبراهيم من النار، وما دخل سيدنا محمد الغار، ولا نزل موسى عليه السلام البحر، ولا صبر أيوب.. فمن اصغر المنافذ يجب أن نقود الإصلاح.
بات واضحا أن الإنسان الأردني يريد التغيير.. ويريده عبر وسائل ديمقراطية.. لكني لا اعرف كيف تلتقي فئات المجتمع الأردني، وكل فئة تتهم القانون بأنه لصالح الفئة الأخرى، وضد فئتهم، وذهبنا لجدلٍ عطل العمل، وأخذت منا الخندقة موئلا بليغا فينا، وضقنا ذرعا بسياسات الدولة التي حيرتنا وحيرناها... وكأني بالبعض يريدها على قاعدة: مواطن دكتاتور وحكومة بصيمة.
فإن أردنا قانونا انتخابيا يخلق بيئة حياة سياسية نتفاعل معها بثقافة الدمقرطة، ولنسوس تنمية حزبية حقيقية لتحقيق كتل برلمانية متماسكة الفرص؛ فالقانون الحالي فيه بذرة من فلقتان..
لكن على الحكومة الشفافية في تطبيق قانون الانتخابات، والجدية في إنفاذ عقوباته، وإلزامية إعلان المعلومة بالوقت المناسب، والوقوف على نفس المسافة من المرشحين وأعوانهم، والريادة في اتخاذ الحكام الإداريين لخطوات عملية ميدانية للتشبيك والتواصل مع مجتمعاتهم المحلية.. هذا كله مطلوب من مؤسسات الدولة الأردنية.. ليكون بمثابة جرعة تسهيل لأمعاء الذاكرة الوطنية حول الانتخابات وأخطاءها، وتنظيفها لتمرير تجربة خالية من شوائبٍ تراكمت وتكررت عبر عقود، وإنتاج عرس وطني مكتمل، يشهد له كما في الـ 1989م.
القانون سينفذ والانتخابات قادمة.. دعونا لا نجلد الذات.. وتعالوا نستخدم الأدوات الراقية أكثر فأكثر.. كي لا ننزلق أو ننعطف للمعلوم، ونتدحرج في كارثة لا تقف عند حد..
فإن الحراك ضمير.. والتغيير صناعة.. والانتخابات أداة