لم أكن أتوقع أن يبلغ الغيظ لدى الرسمي الأردني هذا المبلغ تجاه فوز الإخوان المسلمين في مصر.
أن لا يستطيع الناطق باسم الحكومة أن يذكر اسم المرشح الفائز برئاسة الدولة المصرية أو اسم حزبه – كبيرة والله، وشيء عظيم بالغ الدلالة يوجب التوقف عنده، حيث اِكتفى بالإشادة بنجاح العملية الانتخابية، وتمنى لمصر الاستقرار.
فلحظة المفاجأة والذهول هي اللحظة الأصدق في التعبير عن مكنونات نفوس أصحابها، وطبيعة موقفهم من الحدث، ونظرتهم إلى الآخر، وبالتالي يمكن للمتابع أن يقرأ الخريطة النفسية لهؤلاء بناء على رد الفعل الفوري قراءة موضوعية صادقة:
لا أشك لحظة – بعد التصريح – أن زمرة الحكم عندنا مسكونة بهاجس المنافس الذي يحظى بشعبية، ويمتلك رؤية ومشروعا بديلا ومناقضا للمشروع الإفسادي المتخلف الذي تمثله تلك الزمرة برموزها وسياساتها.
ولا أشك لحظة أن شعورا بالنقص أخذ بتلابيب المعايطة ممثل الحكومة، وناطقها الرسمي في لحظة الاستحقاق، فلم يستطع أن يعبر عن تجربة راقية في الديموقراطية هو غير مهيأ لها، ولا راغب فيها، ويعمل على إبطالها.
لا أشك لحظة أن النظام الرسمي يمرّ بحالة تشبه النزع وسكرة الموت، وتضاهي العلقم في الحلق، وهو يرى بأمّ عينيه أن شعوب المنطقة التي ظلت ألعوبة بأيدي السلطات المحتكرة للحكم - على مدى عقود - قد فتحت عيونها على سوآت نُظمها، فرأتهم على حقيقتهم بكل ما بهم من سوء وتفريط بالأمانة، فلم يدرِ هؤلاء كيف يهربون من الحقيقة، وفرت منهم الكلمة المراوغة حين أردوا تجديد حالة المخادعة، ولم يجدوا إلا البُرود في ردِّ الفعل مُخلِّصا، فسبق إلى ألسنتهم ما يعبر عما يجري بخلجاتهم من سوء الطويّة.
لا شك أن الموقف الرسمي المخجل بروتوكليا - على الأقل - يكاد يحاكي موقف الكارهين للحق في زمن الرسالة الأُولى حين وصفهم الله تعالى بقوله: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ).
ولكي لا أُتّهم هنا أنني أفرز الناس وأصدر الأحكام بالكفر والإيمان، فإن استشهادي بالآية لا يعدو الدلالة النفسية لمن كان كارها للشيء لدرجة أنه لا يطيق سماع اسمه أو رؤية رسمه، فالقوم عندنا بلا أدنى شك يكرهون التغيير، ولا يؤمون بتداول السلطة التي توارثوها، ويشمئزون من فكرة تسليم المواقع على أساس نزاهة الفرز الشعبي، ولا يؤمنون بشريك مغيار في طبائعه وخصائصه وبرنامجه، وتظهر هذه الكراهة مع ظهور أي مؤشر يدلل على تراجع مواقعهم في هذا الميدان، وتقدم مواقع الآخرين، سواء في ميدانهم المحلي القطري أو في محيطهم الإقليمي ودول جوارهم.
ولا أشك لحظة أيضا أن القوم يواجهون مشاعر ضاغطة تقرعهم من دواخلهم قائلة: إن هذا الفائز بسدة الحكم قد اجتاز كل العوائق، وعَطّل سِحر سَحرة السياسة والإعلام، فخرت عند قدميه سُجدا، وأذهب هدرا الملايين التي أنفقت لإفشاله، فجاء رئيسا شرعيا ومنتحبا ديمقراطيا ، في حين أنهم جاؤوا طارئين على المشهد، متطفلين في الموقع، سلاحهم النفاق، ومركبهم هزُّ الذنب، ومعدنهم سهولة المطاوعة والتشكل في أي صورة تُرضي عنهم أرباب النعمة.
اطمؤنوا يا هؤلاء، لم يكن الإخوان الذين فازوا في معركة الحرية والكرامة، بل فاز الشعب المصري كله بكل فئاته وطوائفه وأحزابه، حتى الذين صوتوا لشفيق تحت سوط التضليل والإرعاب والإرغاب.
فازت الفضيلة، وانتصرت الكرامة، واستيقظ الشرف، وزُفت القيم الإنسانية عروسا بهية، في زمن الرخص والبغاء الأخلاقي الذي تصرّ عليه النظم الشاردة بعيدا عن شعوبها، نحو حظيرة الإنانية، ووكر العصابة.
فاز الإسلام نبض الأمة ومبعث عزها، وأمل مستقبلها، بعد زمن انسلخت فيه عنه نظم انتسبت له قولا، واستخدمته طلاء، واحترمته تصريحا في محفل أو مناسبة، وهي تركله حقيقة، وتنتصر لنقيضه فعلا وسلوكا، ففازت بصحبة الشيطان طيلة مدة حكمها.
فاز المصريون وليس الإخوان وحدهم، وما عددهم في موج الملايين إلا عشرات الآلاف، إلا إذا كانت هذه الملايين منخرطة في مشروع النيتو الغربي والصهيوأمريكي، على رأي القنوات الذيلية للنظم المتهاوية، وكتابها من مرتزقة الكلمة والقلم.
الدورة التاريخية بدأت عَجَلتها، وهبت رياحها التي ستكنس في طريقها كل الأوضاع المعوجة، ومن عاندها كسرته{ فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}.
وما هي إلا مسألة وقت، فثمرة الفساد قد أينع خبيثها، وهذا أوان حصادها، اللهم فابعث لها يدا من الحق حاصدة:{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}.