لا شك أن الشهادات العلمية العليا ليست كفيلة وحدها لأن تجعل منك قائدا ومبدعا ما لم تملك مهارات إتخاذ القرار وحساب النتائج وانعكاساتها ، ولا شك أن الكثير من قرارات الوزراء تُملاء عليهم ويتم الأخذ بها دون حساب لما ستعكسه من تأثيرات وردود فعل ، لم يكن صاحب القرار يعيها ، وبالتالي يسارع للتراجع عن قراراته ، قرارات كثيرة وتصريحات أكثر كانت مدعاة لإثارة أزمات في البلاد، ورود فعل لم يكن يحسب حسابها ، وبالتالي تصبح الكثير من تلك القرارات مدعاة للسخرية أو التأويل، وتضع صاحبها بموقف لا يحسد عليه وتجعل من استمراره أو تكرار توليه لأي منصب في موضع الشك ، كيف لا ، وقد أخذ على عاتقه إثارة أزمة لاتحتاجها البلاد ، ورافقها تكاليف مالية لم تخطر في باله .
أسوق هذه ألمقدمه بمناسبة صدور قرار غريب وعجيب لا لون ولا طعم ولاهدف له من قبل وزير التربية الذي فاجأ الجميع بتوليه منصب الوزارة بسبب سياسات الترضية و المحسوبية والمناطقية المقيتة التي تجري في البلاد بغض النظر عن قدرات وإمكانات من يتولي المنصب ، يُلزم فيه الوزير المؤقت اصلا او كما يسمى ب " الطائر " المعلمين الإداريين في المدارس العودة إلى العمل في مدارسهم اعتبارا من 1/7 ، ويشمل القرار كل من أمين المكتبة والمرشد الطلابي وقّيم المختبر والسكرتير والمساعد الإداري وأمين عهده او مخزن وكل من يطلق عليه إداري بالرغم من أنه بحكم وظيفته يعتبر معلما ، يقوم بواجبه التعليمي كما المعلم ، ولا أدري هنا، ماهي ضرورة وجود مرشد طلابي أو أمين المكتبة او قيم المختبر وغيرهم من المعلمين الإداريين في مدرسة خالية من ألطلبه ! ونقنع بضرورة وجود المدير والسكرتير لغاية تأمين حصول المواطنين على وثائقهم ، لكن ماهو لزوم حضور البقية ! ولا أدري كذلك ، ما الذي دفع الوزير ليصحو فجأه ويتخذ القرار ويفرق بين معلم إداري ومعلم مدرسي ، بالرغم من ان الجميع يدخل الصف ، وهذا اختراق مخالف لأكثر من 80 عاما من منهج وإرث النظام المدرسي المعمول به في المدارس ، أم أن الأمر متعلق بتدمير ولاء المعلم وانتمائه لمهنة التعليم ، ووضعه في خانة المدبرين الرافضين للعمل في التربية في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية صعبه يواجهها المعلم في هذه المهنة ، فقرار التحاق المعلم بتلك الوظائف كان مبنيا على عدة مكاسب واستحقاقات كان من ضمنها العطلة التي يتمتع بها أو ينجز بها عملا او رحلة او أي نشاط على غرار بقية زملائه في الميدان وهي الفرصة الكافية لرعاية الأم والأب المعلم لأولادهم طيلة العطلة والتي قد تزيد أعباء الأهل لوضع أطفالهم في حضانات او مدارس تكلفهم اموال إضافية بعد أن كانوا يقومون برعايتهم مباشره ، ولا يعقل أن يستثنى أولئك المعلمين من تلك المكاسب لأسباب مزاجية وقرارات ليست مدروسة بالمطلق .
وبحسبة مالية واقتصادية ، فأن للقرار تكلفة مالية كبيرة على الدولة والمعلم ، ولو افترضنا أن عدد السيارات التي يملكها أولئك الإداريين البالغ عددهم مابين 18 - 20الف معلم هي 8 الآف سيارة ـ وتحتاج كل واحده إلى 5 ليتر من البنزين كل يوم، فإننا نتحدث عن متوسط 40 ألف لتر يومي أو 2 مليون و400 ألف قيمتهن الإجمالية حوالي 17 مليون دينار تذهب هباء منثورا لقرار غير محسوب الخسائر ـ بالإضافة الى فواتير كهرباء وماء إضافية تراكمن بسبب الدوام هنا بمتوسط لا يقل عن 2 مليون ل 4000 مدرسه ، أي ان المبلغ سيصل إلى 20 مليون دينار تتوزع بين الدولة والمعلم ، وكان الأجدى من كل ذلك ان يهتم الوزير ومن عرض له القرار بحال عشرات المدارس التي تعاني من خلل بنائي وتصدعات وأبواب تالفة كثيرا ما تقع فوق رؤوس الطلبة ، او حتى الاهتمام بتلك الصفوف الآيلة سقوفها للسقوط فوق رؤوس الطلبة بدل أن ينفقها في دفع فواتير مياه وكهرباء طرأت من جديد بسبب دوام المعلمين الإلزامي ، ،وستضاعف من الضغوط على المعلمين القادمين من مناطق بعيده وخاصة في أيام الصيف والشهر الفضيل ، وستلاحق الوزير لعنات كل من أصابه أو أصابها ذلك القرار الذي لا يسمن ولا يغني الدولة ، بل يساعد في أعبائها .
الموضوع لايتعلق بالدوام الرسمي والتزام المعلم ، ولو كان هناك أمر يستدعي الحضور لما رفض الجميع ، ولكن القرار عجيب وغريب و يلاقي سخرية الناس ، فحين يسألك احدهم وماذا سيفعل المرشد الطلابي أو قيم المختبر أو أمين المكتبة في مدرسة خالية ، فانك لاتجد إلا أن تقول له : اسأل الوزير ، وستترك الأمهات أطفالهن وبيوتهن لزيارة المدارس دون عمل ودون طائل ! أم أنها نفقات إضافية تتكفل بها الوزارة دون أن تهتم أصلا بما تعانيه مدارسها ، أم هي سياسة تدمير ولاء وانتماء المعلم لوظيفة تعد في البلاد من الوظائف أو المهن الأقل حظا ، ولا يلتحق بها سوى العاطل عن العمل والمضطر او الفقير منهم ممن حرمته المحسوبية والواسطة من الحصول على وظيفة أخرى أكثر رقيا ومكانة اجتماعيه , فمهنة التعليم في بلادنا لاقيمة لها ولا وزن ، فهي مهنة تغطي فقط حاجة المواطن من طعام فقط ، بسبب سياسات التهميش والظلم التي تمارس بحق أصحاب الرسالة المقدسة كما يصفونها ! وهم دوما في ذيل اهتمامات النظام ومتابعته ، وباتت الوظائف الدنيا في المؤسسات الأخرى أكثر قيمة ووزنا ومكسبا يلتحق بها حتى حملة الشهادات الجامعية لما توفره من فرص الحصول على التأمين الصحي المناسب والسكن الراق والحوافز المالية والرواتب العالية وحتى التقاعد ، أفلا يكفي المعلم ما يعانيه ليصدر الوزير ذاك القرار !
تحديات كبيرة تواجه قطاع التعليم، وتحديات اكبر تستدعي عمل الوزير والوزارة يشكل يومي وطارئ لما آلت اليه الحال ، ترهل وتراجع في الأداء ، وفضائح الثانوية ألعامه وسبل الحصول على شهادة الدراسة الثانوية بات أمرا سهلا باستخدام تكنولوجيا الغش والخوف من التعرض للاعتداء من قبل الطلبة ، مما جعل من سمعة شهادتنا في مستوى لايحسد عليه ، فكان الأجدر بالوزير والطاقم حوله البحث عن سبل أفضل وطرق أنجع لمواجهة تلك المشكلات التي باتت فضائح يعرفها العالم عنا كل عام دراسي ،أو البحث في سبل رفع دافعية المعلمين نحو التعليم وحث الشباب على الانخراط في المهنة ، بدل البحث في طرق قتل المحبة والولاء لهذه المهنة ..
نتمنى على الوزير أن يعيد النظر في القرار ، وأن لا يخلق أزمة مع قطاع المعلمين ، اذ لم تعد البلاد تحتمل أزمات أخرى ، وخاصة أن القرار صدر في وقت متأخر وفي ظروف سفر أو غياب العديد من المعلمين عن البلاد ، وهو قرار لازلت أسال نفسي كما يسأله الناس : ماذا سيفعل المعلم في مدرسة خاوية !! ام هي زيادة نفقات ومصاريف من كلا الطرفين الوزارة والمعلم ،و كل واحد منهما يعاني ما يعانيه من أزمة ..