كان لي قبل أيام شرف مجالسة عدد من المتقاعدين العسكريين في محافظة الطفيلة على هامش \" احتفالهم \"بفتح فرع المؤسسة في الطفيلة في طابق غير مناسب ، يعود لأحد الوزراء وسط المدينة ! والذي تم استئجار معظم أثاثه من قبل مديرية الدرك على حد تصريحهم لغاية الافتتاح، ويخلوا الفرع من أي أثاث باستثناء طاولة التنس ! التي قد تكون مستأجره هي الأخرى لغاية الديكور الافتتاحي الذي رعاه مدير عام المؤسسة ، ولم يخلو لقاء المتقاعدين من ملاسنات واحتجاجات إثناء الحوار الذي تم ، ويبلغ عدد منتسبي الطفيلة أكثر من 7500 متقاعد من مختلف الرتب من أصل 53 ألف منتسب على مستوى الوطن كما هو معلن على موقعها الالكتروني من إجمالي عدد المتقاعدين الذي يزيد على 160 ألف متقاعد من مختلف الأجهزة .
تحدث المتقاعدون عن هموم وتحديات تواجههم والتي لم يعد السكوت عنها مجديا ، بل وضعفا لابد من مواجهته ، ففي الحديث عن ضرورة دمقرطة المؤسسة ، فقد طالب أبناء الطفيلة وكما هي مطالب غالبية المتقاعدين وعلى غرار اللجنة التحضيرية للمتقاعدين العسكريين بضرورة وقف سياسة التعيين وترك المجال أمام الهيئات ألعامه لانتخاب مجالس الفروع ومن ثم انتخاب مجلس الإدارة بعيدا عن الشكل الحالي الذي لم يعد يتوافق و المرحلة والتطور والحديث عن بناء مؤسسات وطنية ديمقراطية ، ويقولون أنهم سيبدؤون العمل لخوض معركة دمقرطة المؤسسة ووقف السياسات الحالية بالتعاون والتنسيق مع الحراك القائم في صفوف المتقاعدين في مختلف المدن لهذه الغاية ،إذ لم تعد سياسة إسقاط الرؤساء والمدراء ومدراء الفروع مقبولة بالمطلق، في ظروف بدأ أن هذا الجسد الوطني الكبير قد بدأ يتعرض لانقسامات واسعة بسبب ممارسات المؤسسة الأم وفشلها في الاستجابة لمتطلبات ومطالب المتقاعدين وخاصة منها ضعف تنظيمهم وإعدادهم لمواصلة بناء الوطن والدفاع عن مكتسباته .
وعلى الجانب المالي والاستثماري ، يطالب المتقاعدون بضرورة كشف حسابات المؤسسة وإعلانها ، وهذا من حقهم باعتبارهم هيئة عامه، ساهموا ببناء المؤسسة عبر اشتراكاتهم خلال سنين طويلة ومن حقهم الاطلاع على النفقات والمصاريف وسبل إنفاقها ، خاصة بعد ما أشيع عن فساد مالي وإداري وترهل واستثمارات خاسرة أثقلت كاهل المؤسسة لأجل إرضاء بعض المتنفذين، ويؤكد البعض وجود وثائق لديه تثبت صحة تلك التجاوزات والمفاسد ، ولذلك يشعر المتقاعدون ان هناك مشكلات مالية واسعة لم يجر الكشف عنها ، وخاصة بعد ما شهدته التحقيقات التي جرت مع الإدارة السابقة بخصوص قضايا فساد ورشي ، ولم تعلن بعد نتائج تحقيقها والقرارات التي اتخذت !
وعلى جانب الفوائد التي يجنيها المتقاعد من المؤسسة ، فيؤكد الغالبية منهم ، أن المؤسسة توفر لهم فرص العمل برواتب لا تتعدى أل 150 دينار ضمن اتفاقيات مع بعض المؤسسات الرسمية ، وهي أقل بكثير من الحد ألأدنى للأجور الذي اقره مجلس الوزراء ، بحجج أن بعض اتفاقيات المؤسسة خاصة منها ما يتعلق بالأمن والحماية لبعض الشركات قد تمت قبل إقرار الحد الأدنى من قبل ألدوله ، والحالة تسير على بقية المتقاعدين في مختلف الوظائف ، ويؤكد البعض أن المؤسسة تتقاضى مبلغا من المال يعادل ضعف ما يتقاضاه المتقاعد من قبل الشركات المتعاقد معها ، ولايقبل به سوى المضطر منهم ، ويمثل ذلك إجحافا وظلما للمتقاعد في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الناس ، فالعامل المتقاعد هو الذي يعمل وينتج ويقدم الجهد والمشقة، والمؤسسة تقوم \" بسرقة \" جهده وعمله، وهذا لم يحدث في أي دولة في العالم ! وعلى جانب التسهيلات التي تقدمها المؤسسة للحصول على الأدوات الكهربائية أو الأثاث او غيرها ، فأن أسعارها تبلغ ضعفي سعر السوق ولا حاجة للمواطن أن يتعاطى معها ، وتحدث البعض منهم عن بعثة الحج والعمرة ، وأشاروا إلى أن المسألة مرتبطة بالواسطة والمحسوبية وأبناء الرتب العالية وعائلاتهم ، وهناك من أمضى 25 سنه منتسبا للمؤسسة ولم يناله شيء منها على صعيد الحج أو العمرة ! ومنهم من يتحدث عن مناقلات مالية من قبل المؤسسات والمكاتب الاستثمارية ومكاتب الصرافة التي تنقل إلى المركز دون أوراق ثبوتية أو مستندات مالية ،وكان هناك احتجاج على قيام المؤسسة بتغطية نفقات تأثيث مكتب المؤسسة داخل الديوان الملكي بمبالغ كبيرة ، ويتساءلون عن ماهية وأسباب وجود مكتب للمؤسسة داخل الديوان الملكي !!
ضباب كثيف يلف تلك المؤسسة ، وأسئلة كثيرة وعلامات استفهام اكبر تطالها ، ويعتبرون ان الشفافية والوضوح وإعادة بناء المؤسسة على أسس ديمقراطية هو الحل الأمثل للخروج بمؤسسة استثمارية وتجارية واجتماعية تلبي الطموح ، وأن بقاء الحال كما هو بالقانون الخاص لن يعبر عن طموح المتقاعدين الذين يرون في المؤسسة مثالا أخر من أمثلة المؤسسات التي تعاني من ترهل وشللية ومحسوبية وفساد واستغلال لم يعد يرضي الجميع ، ولم يعد مقبولا أصلا أن تبقى المؤسسة بمنأى عن التطورات والأحداث الجارية في البلاد دون مشاركة أو تفاعل مع أبناء الوطن في وقت تتعرض البلاد لازمات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة ، ويحتاج إلى حركة تغيير تطال هذه المؤسسة وتنسف كل أرضيتها القديمة قانونا وإدارة وبرنامجا وإجراء ، لعلها تتحول إلى مؤسسة وطنية اقتصادية واجتماعية وسياسية تساهم ببناء الوطن وتدافع عن مكاسبه ولا تستغل حاجة وظروف أولئك المتقاعدين لزيادة الدخل الذي لم يشعر به أو يستفيد منه أي من المتقاعدين سوى بعض المتنفذين في المؤسسة . .
أكثر ما أغضب الحضور ونال القسط الأكبر من حديثنا ، هي لقاءات بعض قادة المؤسسة بنظراء لهم من المؤسسة العسكرية اليهودية ، وهو الأمر الذي أدانته منظمات وقوى ونخب شعبيه أردنية واللجنة الوطنية العليا للمتقاعدين العسكريين ، ويؤكدون أن غياب المحاسبة والديمقراطية واستمرار النهج الحالي للمؤسسة سيدفعهم لمغامرات أكبر واخطر تخالف ثقافة ودين ومعتقدات الجيش العربي ومؤسساته التي توصف بالعقائدية ، ولو توفرت القدرة لقاموا بمحاسبتهم ومحاكمتهم وطردهم من تلك المؤسسة ، ولكن الانفلات هو سيد الموقف هنا .
لابد من مراجعة شاملة لدور المؤسسة ونظامها وهيكلتها ، فلا ضرر من دمقرطة هذه المؤسسة على غرار معظم المؤسسات والنقابات العاملة في البلاد ، فهي بمثابة الحزب أو الجبهة الوطنية العريضة التي يمكن استثمار قوتها وطاقة منتسبيها في مجالات خدمة الوطن والدفاع عنه في مواجهة كل مشاريع التصفية ونهب الثروات ومشاريع الوطن البديل التي باتت تهدد أمن البلاد واستقراره وتعرض هوية أبنائه للخطر ،ولتكن قوة سياسية واجتماعية تساهم بفعالية في المشاركة الوطنية وقيادة العمل الوطني الخالص في كل مؤسسات الوطن التشريعية والتنفيذية بعيدا عن كل الأجندة التي تتربص بالبلاد وتخطط لتغيير منهجه واستقراره ، فهل تتبدل تلك الحالة التي تعيشها المؤسسة وتنتقل إلى مرحلة تمكين وتنظيم هذا القطاع الكبير خدمة للوطن وخدمة لقضايا منتسبيها على أسس وطنية وديمقراطية ، أم أن هناك قوى ومتنفذين يحيطون المؤسسة بأسلاك شائكة خدمة لمصالحهم تحول دون تطوير عمل المؤسسة في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، لأن استنهاض طاقة المتقاعدين سيحول دون توسع دوائر الفساد ونهب الثروات ،وسيمكّن أبناء الوطن من خلال هذه القوة الكبيرة من دحر كل فاسد أو معين على الفساد كما كان عهدهم دوما .