بينما كنت أجر أذيال الخيبة والفشل عائدا من عمان ، مسجلا خسارة جديدة إلى مجموع خساراتي الراحلة ،وأنا أرجع البصر كرة بعد كرّات تلقاء ما يطاله البصر من البيداء الشاسعة على امتداد الطريق بعد تجاوز نطاق العاصمة ، تداعت إلى ذهني مقولة الملك الراحل الحسين بن طلال – ولا أدري في أي عام قالها – أردن أخضر عام ألفين.
تذكرت فورها أننا الآن في العام 2012 ، وقد مضى على موعد البشارة اثنا عشر عاما ونيف .فعلى امتداد أكثر من مائتي كيلو متر ، وعلى مد البصر يمينا ويسارا ،مازلت الأرض قاحلة ، لا ترى عيناك إلا حجارة وتلالا من الرمل .بل إنها تزداد تًقَحُّلا عاما بعد عام على ما أذكر من مشاهداتي لها قبل عشرين عاما ،وأنا أعود العودة نفسها سالكا الطريق إياه .
لعل الملك الراحل قال ما قال معولا على بعض من يملكون الهمَّ والإرادة لجعل الأردن أخضرا كالسحابة ،يعطي أكثر مما يأخذ .... يعطي السائل والمحروم ....، يعطي أصناف الخير التي استَُلِبَت من ثراه ، وبتنا نحلم بأقل القليل منها ،الأمس ،واليوم ، وغدا، وبعد غد !
لقد وافت المنية الملك الراحل قبل موعد بشارته بعام ، مع أنها لن تحقق في عام، ولعل الحلم الكبير كان أكبر من الوطنية التي نحملها ويحملها المتشدقون بها !
عذرا أيها الراحل لقد أخطأ فهمُ السامعين ما قلت ، وقصر عنه إدراكُهم ، فحاولوا إنجاز ما وعدت بما فهموا ،فحولوه إلى أردن " أقْشَر" عام 2012 كما ترى .
عذرا أيها الوطن ،إننا نقشنا على أعتابك عباراتٍ أكبر من أكبر رجالاتنا،بل أكثر منا مجتمعين :" على قدر أهل العزم تأتي العزائم " .....، نعم جاءت عزائمنا كبيرة لكن في الاتجاه المعاكس !!
الذين يملكون تنفيذ أحلامك أيها الوطن لا يلتفتون إليك ، والذين يحملون همومك ،ولكن سُقِط في أيديهم ،لا عجب بما يفعلون !
لعلي أرى في المقولة المعنونة حذفا وتورية ، لتتضمن أن الأردن كان أخضرا قبل ألفي سنة ، إذ يذكر التاريخ سهول البلقاء والشوبك وجنات إربد وعجلون ،وغابات العرعر والزعرور على امتداد جبال الشراة .
إيه ...هنيئا لنا بهذا الوطن الخجول ، ما يزال يتلقط أنفاسه ليعطينا مما تبقى فيه من الخير،على الرغم من معاولنا التي تهدم صروحه وتهدّ أركانه .