للسنة الثالثة على التوالي أكرر نفس المقال عن هذه الأيام المباركة التي لاحت بشائرها، فها هو شهر رمضان تهل بشائره من جديد وتدنو رحماته ويفوح أريجه وتنتعش الأرواح المتعبة من تبعات الحياة الضنك التي نعيش بقدوم الغائب المبارك الذي يأتي مرة كل عام بكثير من الخير والبركة، ولأنه يأتي مرة كل عام وهو الغائب الغالي على قلوب محبيه فإنه لزاما عليهم أن يستقبلوه أحسن استقبال ويكرموه بما يستحق، فالحمد متواصل ودائم للواحد الأحد حمد الشاكرين الطائعين الشاعرين بتقصيرهم أن بلغنا هذا الشهر العظيم، ولا يخفى على كل مسلم ما لرمضان من مكانة عظيمة في قلوب وعقول من يعرفون قيمته ويقدرون فضله وخيراته، كيف لا وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، شهر نافلته بأجر فريضة في غيره، والفريضة بسبعين والله يضاعف لمن يشاء، شهر كله هبات وعطايا ومنن من الحق سبحانه وتعالى لعباده الطائعين المقبلين، فهيا يا إخواني لنشمر عن السواعد المؤمنة ولنتوجه إلى الله بقلوب نقية تقية مقبلة طائعة تائبة راجية رحمة ربها الغفور الرحيم، هيا لنبرمج الأوقات وندع ونهجر القنوات، فالحرص الحرص إخواني على الصلوات الخمس جماعة في بيوت الله وليس فقط سنة التراويح، هيا لقراءة القرآن وغض البصر وحفظ اللسان، وهيا لبر الوالدين ولصلة الأرحام والعطف على الأهل والجيران، أستحلفكم بالله إخواني استشعروا عظمة هذا الشهر ولا تنتهكوا حرماته ولا تجعلوا يوم صومكم كيوم فطركم كما وصانا ووصاكم الحبيب صلى الله عليه وسلم، وادعوا الله أن يريح بلدنا وسائر البلاد العربية والإسلامية من الظالمين والمخادعين والفاسدين والمفسدين الذين عاثوا في الأرض فسادا وتقتيلا ونهبا لأموال الشعوب المسحوقة.
إن لهذا الشهر العظيم الكثير من الخصائص والميزات التي ميزته عن باقي الشهور ففيه أنزل الله جل جلاله القرآن دستور هذه الأمة ومعجزة المصطفى وكلام رب العالمين والمرشد إلى النجاة والفلاح والشفيع لأصحابه يوم القيامة، وفي هذا الشهر الفضيل تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد مردة الشياطين، وفيه تتضاعف الحسنات من الله جل وعلا لعباده الصائمين القائمين الذاكرين الحافظين لألسنتهم عن غيبة الناس والخوض في أعراضهم، وأعينهم عن النظر إلى ما يغضب الله تبارك وتعالى، وفيه الليلة المباركة ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ومن حرم أجرها فقد حرم خيرا كثيرا، وفيه وقعت أحداث جسام كان لها الأثر البالغ في مسيرة هذا الدين الحنيف كغزوة بدر الكبرى وفتح مكة وغيرهما من الأحداث المؤثرة، فبكل تأكيد لم يكن شهر رمضان عند سلفنا الصالح شهر طعام ومسلسلات وهدر للأوقات دون فائدة دينية أو دنيوية، فإلى متى سيبقى هذا الشهر العظيم عند الكثير منا هو شهر أكل وشرب وسهر على المسلسلات التافهة المحشوة بالعري والفسق وقلة الأدب، والتي لم تأتي إلا بالنكسات على هذه الأمة المنكوبة في كل الأرجاء.
ولأن رمضان الحالي يأتي علينا والدماء العربية والإسلامية الزكية تراق في كل مكان، فإنه من الواجب الحتمي على كل واحد منا أن يضاعف جهوده وأن يخلص نيته وأن يتوجه بالدعاء الخالص الممزوج بالخوف من الجليل والمرفع عن كل دنس أو لهو لإخواننا المضطهدين المظلومين الذين يقتلون زورا وظلما وبهتانا في سوريا الجريحة فك الله كربها ونصر أحرارها... فهذه أبسط حقوقهم وأقلها وهو الدعاء لرب الأرض والسماء بأن يحقن الدماء البريئة الطاهرة في كل أرجاء المعمورة وأن يحفظ أعراضهم ويحميهم من جور الظالمين ويحقق مبتغاهم ويعجل بالنصر والتمكين لهم.
ولأنني أدرك تماما أن الجميع أو الغالبية تعرف هذه الأشياء مثلي وأكثر ... أحببت فقط أن أذكركم ونفسي بشيء بسيط هو أنني أتكلم من باب التذاكر لا من باب الفلسفة وإلقاء الخطب والمواعظ، والله وحده يعلم حالنا وذنوبنا، ولكنني أحببت أن أذكر نفسي وإياكم في ظل هذه المعمعة التي نعيش، في هذا الزمن الذي تغيرت فيه المفاهيم، فأصبح الخمر... مشروبا روحيا، والربا المحارب صاحبه من الله ورسوله... فائدة، والرشوة... إكرامية، والمقامرة ...عمل خير، والنصب والفساد ... فن وذكاء، والطيبة... هبلا وسذاجة، والشذوذ... حرية شخصية، والسفور ... رقي وحضارة، والسترة والإلتزام... تخلف ورجعية، والزنا والمجون... أصبح فنا وأهله أصبحوا نجوم، لذلك كله وأكثر حاولت أن أوجه أنظار كل من يقرأ هذه الكلمات كي يخلو بنفسه ساعة ويفكر، لما كل هذه الدعاية والترويج للمسلسلات الهابطة التي يزداد تزاحمها في هذا الشهر المبارك، والتي فيها من السفور والفجور ما يفوق الجاهلية الأولى ولكن مع وجود دين حنيف تجاهله الكثير من أهله بل وراحوا يطعنون به، وتلك البرامج السخيفة التي لا فائدة مرجوة منها إلا إضاعة الوقت الذي في الأيام العادية كما رمضان سيسألنا الله سبحانه وتعالى عنه، ولكن في رمضان لكل دقيقة وزنها وقيمتها العظيمة، فعلى المسلم الفطن أن يغتنم هذه الفرصة الذهبية فمن يدري من سيدرك رمضان القادم منا ومن سينتقل إلى الحياة الآخرة قبل ذلك.
إخواني وأخواتي ها هو رمضان قد أقبل وأدعو نفسي وإياكم لكي نستحضر ونتخيل أن رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه زائر في بيت كل واحد منا في هذا الشهر على الأقل فانظروا ماذا تحبون أن يرى فيكم وعندكم ومنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهر رمضان المبارك هو فرصة ذهبية بل ماسية ماثلة بين أيدينا فلنغتنمها، ولنستعد لهذه المحطة الإيمانية كي تشحن قلوبنا بالإيمان والسكينة والإطمئنان ونحن أحوج ما نكون إلى ذلك، ولنملئ نفوسنا بالرضا واليقين، فإن لنا رب كريم مطلع على حالنا وحال أمتنا الإسلامية، فلعل دعوة صادقة من مؤمن صادق صائم قائم تصادف ساعة إجابة في هذا الشهر الفضيل فيغير الله حالنا الذي يرثى له إلى أحسن حال إنه ولي ذلك والقادر عليه، أعاننا الله وإياكم على الصيام والقيام وقراءة القرآن والذكر وغض البصر وحفظ اللسان والقيام بالطاعات والواجبات والسنن على أكمل وجه يرضى به الله عنا، وكل عام وأنتم بألف خير، وأعاده الله علينا وعليكم وحال أمتنا بأحسن حال إنه ولي ذلك والقادر عليه.