غَضَبُنا لنبيِّنا ...بين الإفراط والتّفريط..!
صايل الخليفات
عذرا يا رسول الله ...لست بالكُفُؤ لأن أرقى بشباة قلمي وما تخطه يميني لأقف موقف المدافع عنك ،وليس كمثلي أهلٌ لذلك ،معترفاً بالتقصير بين يديك ، لكنّ حسبي في ذلك قول ربي جلَّ وعلا : } إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ{ (النحل :95).
مرة ثالثة ورابعة ...وعاشرة يُلْدغُ المؤمنون – إن صحَّ أن نسميَهم – من ذات الجحر! وما زادتهم توالي اللدغات إلا تتبيب،كل مرة يخسرون من هيبتهم بين الأمم ذاك المقدار وتلك المكانة، ويصدق فيهم قول من كان بهم رؤوفا رحيما ،ومن فضله عليهم يستحق أن تتقطع قلوبهم كمدا على ما سمعوا فيه،وسُقط في أيديهم عن الثأر له،"لكنكم غثاء كغثاء السيل"..........!!!
اعتراني شعور بالقشعريرة عندما سمعت نبأ "فلم" الإساءة ،وتفقدت ردات الفعل ما وكيف تكون ؟ وتابعت مختلف المواقع الإعلامية،عربيّها وأعجميّها،لأجد أننا وبكل جدارة نستحق ما نحن فيه من ذلة وهوان...!
وأرجو أن أكون محقاً فيما ذهبت إليه من تقسيم حال أبناء الأمة إزاء هذه الطّامة ، فلقد خرجت بهم على أربعة أقسام : قوم فَزِعوا غضبا ...فعاثوا في الأرض فسادا..! وقوم سمعوا بالخبر لكنه لم يحرك فيهم ساكنا ، فعاثوا في الأرض ذلة وخنوعا..! وقوم لا علم لهم بما حدث، وهؤلاء عُدُّوا خطأ من الأمة ويُحْسَبون عليها وما هم منها بشيء ، ونفرٌ احتكموا إلى العقل ولم يتجردوا من حق النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة جمعاء...عفا الله عنهم وعنا .
أما القوم الذين غَضِبوا وخرج بهم الغضب ليَجُوبُوا الأزقة والطرقات مشعلين الدنيا بغضبهم،لا أظنهم إلا زادوا الأمة وبالاً على وبالها،واستخفافاً بها على ما هي عليه من استخفاف.
فهؤلاء وقعوا في مصيبتين ؛ إذ إنهم خالفوا النبيَّ – صلى الله عليه وسلم - تحت وهْمِ حبِّهم له ،ثم إنّهم أزْرَوا بنا أمام الأمم التي اصطلح أغلبُ دعاتنا اليوم على تسميتهم بـ"أعدائنا" ،وأخالفهم في ذلك ، إذ لا يصح أن أتخذك عدواً لمجرد أني وجدتك على غير منهجي ومعتقدي ! فالعدوُّ من أضمرَ لك الشر وتربَّص بك الدوائر ، وهذا لا يصح إسقاطه على كل من لا يتخذ الإسلام دينا ؛فملايين من أبناء الأمة تربطهم علاقات صداقة مع أبناء الأمم الأخرى،وربما إذا عرفوا منهم الإسلام على حقيقته أسلموا وحَسُن إسلامُهم،فهؤلاء في الحقيقة ليسوا بأعداء ولا تصح معاملتهم بهذا وفق هذا الوهمن كما أن كتب السيرة مليئة بما يثبت تعامل النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحابة من بعده - رضوان الله عليهم - والتابعين كذلك مع غير المسلمين،والتواصل معهم في غير مضرة للدِّين .
والحق- وقد جرى ما جرى - واستنادا إلى منطق الشريعة التي ندَّعي انتماءنا إليها واحتكامنا لها،أن ثمة أسئلة تلقي بوزرها علينا جميعا:ما نقول في ذلك الشاب الذي غَضِبَ للنبي - صلى الله عليه وسلم -وقد تجاوز الثلاثين من عمره ولا يدخل المسجد إلا نزرا؟وما نقول في ذلك الفتى الذي غضب نهارا،ثم انطوى على مقاهي الفساد حتى ثلث الليل الأخير يعلل نفسه بـ" النرجيلة" ولعب الورق ...؟وما نقول في تلك الفتاة التي غضبت حبا لنبيِّها وهي تمرِّغُ وجهها في مساحيق التجميل – كما يسمونها – وتخرج متبرجة تجوب الطرقات ؟أو تخرج كاشفة عارية ...؟ما نقول في من عصفَ به الغضبُ لنبيِّه وهو يملأ يدَه من أموال العامة ،ومن الربا ولا يرعوي عن حد من حدود الله ؟ مهلا أحبائي ...لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الحال ونحن غَضَابى له، ما ظننا به يقول ؟ مرحبا بإخواني..؟؟أم سحقا لمن بدَّل وغيَّر ؟؟ إن حبَّ الرسول حاصلٌ بدءاً باتباع سنته، واقتفاء أثره قولاً وفعلاً ، شكلاً ومضموناً ، كيف لا والمحبُّ لمن أحبَّ مطيعُ!!
وذات المشهد عند الأمم الأخرى ،وهي أممٌ تعتمد مبدأ العقلانية في الحكم على الأشياء، فإن ما يرونه ويسمعون به من أذىً يلحق من لا علاقة له بالأمر، يجعلهم يعيدون النظر في فهمنا، فتنفذ إلى قلوبهم سهامُ الأعداء حقا ،وتنفث في روعهم: كم من الحقد يكتنف قلوبَ أبناء هذه الأمة وأتباع هذا الدين على البشرية قاطبة !؟وكم من الجهل والتخلف والرجعية تحمل عقولهم !؟
وأما الذين سمعوا بالنبأ ولم يحرك فيهم ساكنا،فهؤلاء من أوصلوا من سبق الحديث عنهم إلى ما هم عليه ، وهم غالب حكامنا ورؤسائنا - أحصاهم ربُّ محمد عددا وقتلهم بددا- ،ومن العامة أصحابُ المصالح والدثور ، وأهلُ الدنيا وزخرفها ، فهؤلاء انغمسوا فيما هم فيه،وهم على ما في أيدهم وَجِلون ،فلتذهب الدنيا بمن فيها إن بَقوا فيما هم فيه ،وعلى ماهم عليه، وهؤلاء منافذُ الأعداء إلى قلب الأمة؛لقتل روح الثأر فيها لحقوقها،وتثبيطها وثنيِها عن كرامتها وعزتها .
وأما القوم الذين ما سمعوا وما علموا،فهؤلاء نُسْقُطُهم من الحساب ؛لأنهم أرقام زائدة في جميع الأحوال،إلا إنهم يندرجون في سجلاتها؛ليحسب حسابهم في قوائم ما تستهلكه من طعام وشراب !
وأما الذين اعتمدوا العقل في مثل هذه النائبة ،فهم رهطٌ ضاقت بهم الأرض بما رحبت، وانزوى عنهم الحاكمُ والمحكوم ، فأُسْقِطُوا في غيابة الجُبِّ ،ونُحِّيَت عنهم جحافلُ السيارة، فانكشف جُهدهم،وضاع أتباعهم وهم في حيص بيص،لا مدخلا لهم للصَّدع بقول الحق فيدخلون،ولا مخرج لهم من دائرة أمانة العلم وعظم المسؤولية فيه فيخرجون.
إننا بحاجة إلى إعادة ترتيب أنفسنا ، وتهيئة عقولنا لما يتناسب مع مجريات العالم من حولنا ، فنبينا بحاجة منا إلى تطبيق ما جاء به ، وما الذي يستفيده النبي - صلى الله عليه وسلم - من حرق سيارة ؟ أو كسر زجاج؟ أو قتل بريء؟ لكنه قال : إنه مباهٍ بنا الأمم يوم القيامة ....إذا أتينا على منهجه وعلى سنَّته طائعين ،ولن يضره كيد المستهزئين في شيء.