قبل اكثر من عام ونصف اجتمعت نخبة من السياسيين المعتقين واشارت على المؤسسة الامنية بضرورة اطلاق العنان لتنظيم الاخوان للسيطرة على الشارع وتوجيهه من خلالهم وكان الهدف من ذلك استحواذ جهة منظمة على الحراك الشعبي يمكن التعامل معها ومفاوضتها وتعتبر تاريخيا جزءا من النظام تستطيع حفظ السقوف وتعرف حدودها جيدا لما لها من مصالح استراتيجية سياسية واقتصادية وبنفس الوقت تكون قادرة على اقصاء اليسار بما لديه من اجندة مناهضة تاريخيا للرأسمالية ..
الخطة نجحت بكل المقاييس وجرى من خلالها تطويع الحراك وفي بعض المراحل استغلاله بطريقة بشعة لغايات تفاوضية ووسيلة للتطغية تارة اخرى لا سيما ان البرنامج السياسي لتنظيم الاخوان كان معدا سلفا قبل سنوات من انطلاق الحراك وفقا لاعترافات التنظيم نفسه دون تشاور او توافق مع الشركاء السياسيين في الوطن سواء من التنظيمات السياسية او الشعبية ..
بالمقابل كان العديد من شرفاء الوطن ولا يزالون ممن اعترتهم الشجاعة أوتأنيب الضمير ينادون صراحة او ضمنا بضرورة رفع الوصاية الاخوانية عن الحراك الذي اصبح كقطيع الابل المحمل بما لا يحتمل ويقوده شيخ ضرير وحاولوا جهدهم فصل الحراك عن الاخوان بحيث يكون لديه القدرة على قيادة نفسه بنفسه بشكل مستقل لتحقيق التطلعات الشعبية الا ان التقاء مصالح الدولة العليا مع مصالح الاخوان في احتواء الحراك حال دون ذلك ومنع الحراك من الخروج من حالة الوصاية القسرية المفروضة عليه لانه لو أخذ حجمه الحقيقي لاحدث تغييرا جوهريا حقيقيا ليس بالضرورة ان يكون محاكاة للحالة السورية او الليبية ولكنه بالتاكيد قادر على احداث فرق لن يكون لصالح مفسدي الدولة او لن يكون لصالح سعي الاخوان كتنظيم له اجندته للكرسي وهذا ما لا تريده الدولة وكذلك الاخوان ..
هذا وتشير مراكز الدراسات الاستراتيجية الاردنية والاجنبية المستقلة الى بعض الوسائل والاساليب عرفت كتكتيكات اخوانية بمباركة الدولة والتي جرى اتباعها مع الحراك لتركه فريسة لاسد الشارع الاخواني مع ضعف تاثير اليسار الذي يماريء النظام السوري ومن هذه الوسائل دفع الحراك للتطرف والراديكالية الشعبية التي تظهر الاخوان بمظهر الاتزان مما كان من اهم اسباب عزوف المثقف الاردني عن الحراك الذي اصبح معزولا عن مستقبله باكثر مما هو معزول عن واقعه ..
اليوم يمر الحراك الاردني بمنعطف حاد ولحظات حرجة للغاية سترسم ملامحه المستقبلية حيث يرى العديد من المفكرين والمثقفين ان المقصود في مسيرة ( 5 / 10 ) الاخوانية في توصيفها الحقيقي هو توجيه الضربة القاضية للحراك وانهاء تواجده باعتبار ان ملامح المرحلة قد تحددت بانتهاء مفاوضات الوضع النهائي ما بين الدولة والاخوان وحسم خيارات القصر التي اصبحت مدعوما ( رقميا ) من الشارع باظهار ما يقارب مليوني ناخب نيتهم للمشاركة في العملية السياسية وفقا للاجندة الملكية واصبح وجود الحراك من قبيل العبث السياسي وعبئا على الاخوان والدولة على حد سواء مما يستوجب التخلص منه والابقاء على معادلة التوازن الاستراتيجي في الدولة الاردنية وفقا للتقاليد والاعراف القديمة التي نظمت عقد التحالف ما بين الدولة والاخوان ..
هذه العلاقة تستوجب باختصار العودة الى المربع الاول من خلال وجود الاخوان كاحد اهم ضمانات وجود واستمرارية النظام بشكله الحالي في الشارع واحتواء الشباب الاردني لان المعادلة السياسية الاردنية ليست بمعزل عن الترتيبات الجديدة في المنطقة واي اخلال في حالة التوازن الاردنية سيدفع ثمنها الجميع .. الفلسطينيون والاسرائيليون والعراقيون والسعوديون والسوريون وبالتاكيد الاردنيون ولربما اخذ الصراع مدى اكبر مما يتصور الجميع بسبب امتداده الحتمي لمصادر النفط العالمي ووضع اسرائيل في محيط عدائي ..
العملية الاستخبارية النوعية المسماة بمسيرة الزحف المقدس ( 5 / 10 ) لها هدف واحد فقط وهدف محدد لاغير وهو انهاء الحراك الاردني الشعبي الى غير رجعة والتخطيط لذلك استخباري بامتياز والتنفيذ يتم باليد الاخوانية وهذه عبقرية شيطانية ولكن تحترم لذكائها بالرغم من انها مؤامرة مقززة على استمرارية الحراك الذي قدم على وجه الحقيقة للعرش ما لم تقدمه مؤسسات الدولة وكذلك الاخوان رغم كل محاولات التضليل والتشويه ..
اذا نجح تنظيم الاخوان في تنظيم الفعالية بالزخم الذي اعلنوا عنه وبما يصل الى سبعين الف اردني فهذا معناه امر واحد فقط ان هذا التنظيم اصبح متفردا بالساحة وهو صاحب القرار في الشارع وهو الجهة المضمونة التي لا ترفع شعار الاسقاط ويمكن التعامل معها بشكل منفرد ومفاوضتها والاذعان لمطالبها التي كانت سابقة على الحراك مع الحفاظ على النظام الملكي الذي يستعين بالمخيمات والعشائر لحفظ التوازن بمواجهتهم مما يعني انتهاء الحراك عمليا وتركه معزولا في الشارع بعد تلبية ما يزعم انها مطالب الشعب وهي المطالب الاخوانية ..
وفي حال فشل الفعالية – وهو الامر المتوقع – وعدم قدرة كل المعارضة والحراك وكل التنظيمات في الاردن السياسية والشعبية والمهنية والتي تجاوز عددها السبعين جهة واعلنت مشاركتها على حشد رقم يتجاوز خمسة عشر الفا بعد كل الحشد والتجييش والتهويل والتضخيم فقد انتهى الحراك وانتهت المعارضة التي كشفت حقيقة حجمها في الشارع وانها لا تشكل شيء مؤثر وانها ليست حتى اقلية يمكن ان يكون لها دور ولتبقى اذن في الشارع لسنوات وسنوات ..
ارهاصات الفشل في التحشيد اقرب منها الى النجاح ومنها عملية تكفيك التجمع واختلاف المواعيد وتضارب التوجيهات وقيام الاخوان بالاعلان عن فعالية موازية في نفس اليوم لتجنيب قيادات الاخوان ( كالعادة ) احداث عنف متوقعة بالاتفاق الصريح او الضمني وفي الجميع الاحوال ستخرج الدولة منتصرة وسيخرج الاخوان محفوظي ماء الوجه باعتبار ان اتهامات افشال الحكومة للمسيرة جاهزة ..
الجهة الوحيدة التي ستدفع الثمن هي الحراك والحراك فقط لا غير وهو الشمعة الوحيدة التي تحترق لتضيء الطريق للجميع ولقد حان الوقت ليستفيق من غيبوبته وينتقل لمرحلة الاستقلالية الفعلية ويستحدث ذراعا سياسيا حزبيا لديه خارطة طريق واضحة باجندة محددة ليكون ندا لمؤسسات الدولة المهيمنة على مرافق الدولة او الجماعة المهيمنة على الشارع وليكون قادرا على فرض قواعده واملاءاته السياسية ومطالبه التي يتجاوز سقفها السقف الاخواني مثل انتخاب رئيس الوزراء بشكل مباشر وليس وفقا لاجندة الدولة التي يتم تمريرها من خلال الاخوان كالمطالبة بحكومة حزبية وعلى كل مثقف صاحب ضمير ان ينحاز للحراك الشعبي دون تردد للنهوض به وتطويره او على الربيع الاردني والدولة والاصلاح السلام ..