كثيرا ما كان يلفت انتباهي وإعجابي منذ سنوات، فلحيته "سكسوكته" المشذبة و شخصيته الأنيقة المهذبة كانت لافتة للانتباه، كان يعجبني أيضا لطفه الشديد وحبه الكبير وشغفه اللامتناهي بوسائل الإعلام على اختلاف أنواعها، وأذكر عندما كنت مقدما لأحد البرامج الحوارية في قناة فضائية عربية لمدة خمس سنوات كيف كنا نجد صعوبة ومشقة في استضافة المتحدثين، أما هو فكان المبادر للاتصال بنا وعرض نفسه للمشاركة في العديد من الموضوعات الفكرية والسياسية والتقنية والأدبية، فلله دره ما أوسع ثقافته!
وهو بالمناسبة من أسرة عريقة وبيت مرموق، فمنها رئيسان للوزراء وربما يطمح لأن يكون الثالث، ومنها النقابي والأكاديمي والاقتصادي والتربوي وبالتأكيد فإنه يجمع هذه الصفات جميعا، وآخر ما وضعه نصب عينيه لتحقيقه هو الشعبية والجماهيرية.
وقد أدرك وزيرنا أن الشعبية لا تعني بالضرورة أن يحبك الناس أو يعشقك الجمهور، بل إن الشهرة والحضور قد تكون في فرك عيونهم وإزكام أنوفهم وصعق آذانهم وهسترة عقولهم وترقيصهم على أنغام الفوضى الخلاقة على الطريقة الأمريكية مهد الدراسة ومرتع الشباب.
وزيرنا بادئ ذي بدء استثار اهتمام عشرات الآلاف من شبابنا بمزحة من العيار الثقيل، فكانت مفاجأة نتائج الثانوية العامة مثل كذبة نيسان في الجفر، وكنا نرى شبابنا سكارى وما هم بسكارى ولكن قرار الوزير شديد!
وما كدنا نلتقط أنفاس أبنائنا الحيارى المكلومين حتى استيقظنا على أكبر تمرد وظيفي وأضخم انتفاضة تعليمية غير مسيسة، أبطالها شعثة رؤوسهم مغبرة أقدامهم مهملة ذقونهم بالية ملابسهم، أراد صاحبنا أن يقطع معهم شعرة معاوية ويرميها ليقصم بها ظهر بعير معاناتهم، فحبطت رواحلهم وانتفخت أوداجهم وانفجرت دماملهم.
وما هي إلا أيام على تنفيس غضبة المعلمين حتى بادر وزيرنا –وأشهد له أنه مبادر دوما بغض النظر عن نوعية المبادرة- بإلزام المدارس عرض فيلم "الرهان الخاسر" على طلبة وطالبات المرحلة الابتدائية، لتصوير الإرهابيين على أنهم ملتحون –ولا أدري ما هو سبب تحسس الوزير من لحى الشيوخ ولحى المعلمين ربما لأنه يحب "السكسوكة" فقط- و يصور الفيلم الإرهابيات على أنهن منقبات، ولعل وزيرنا يظن أننا في بلجيكا أو فرنسا أو الدانمارك وينسى أولويات واحتياجات أبنائنا وبناتنا في الصفوف ذات المزاريب الطبيعية في الشتاء والمدارس التي يتغيب عنها مدرس الرياضيات مثلا طوال العام في القويرة وبئر مذكور ودوقرة وعشرات القرى التي أجزم أن وزيرنا صاحب الشعبية العارمة لم يزرها بل ربما لم يسمع عنها في يوم من الأيام.
وهكذا في المئوية الأولى للحكومة الرفاعية الثالثة أثبت وزيرنا أنه الوزير الأكثر شعبية وهو بهذا يستحق بجدارة أن يترأس الحكومة البدرانية الثالثة عما قريب.
المهندس هشام خريسات