زاد الاردن الاخباري -
مجنون يحكي وعاقل يسمع...
نسمع كثيرا بهذا المثل حتى إذا رأيناه عيانا ضحكنا حتى البكاء؛ وهو أن يتكلم المجانين في حضرة العقلاء...لن أطيل كعادتي ولكن باختصار هذه بعض من معاناتي شبه اليومية؛ إذ إنني أخرج صباحا من قريتي؛ فأضطر للوقوف مرات عديدة لنقل من تقطعت بهم السبل إلى أماكن عملهم؛ مما يستدعي التأخر عن الدوام بشكل أزعج المدير، وأثلج قلب الطلبة، وزاد من خزينة الدولة إذ إن مجموع مخالفاتي السنوية يتجاوز المائة دينار؛ كي أحقق أمنيتي فأصل إلى العمل قبل قرع الجرس.
وليس هذا بيت القصيد فقد اعتدت عليهم؛ فأصبحت أفتح لهم الأبواب، وأعرف متى يخرجون وأين يقفون وكيف يظهرون ؟
وإذا ما سهوت أو تجاهلت أو طلبت منهم إغلاق الباب بهدوء غضبوا؛ وليس أمامي إلا أن أكون ابن القرية البار الوفي صاحب المروءة والنخوة...
وفي عودتي المسائية أتعمد أن أتأخر إلى مابعد التاسعة؛ فأتعثر باثنين؛ كنترول احد الباصات وسائقه؛ طبعا من غير باص؛ الأول يتحدث بالهاتف مع أصدقائه حماة الطريق، وفتوات الباصات؛ فيظهر أمامي بصورة من أحكمته التجارب، وأدبته السنون. أما السائق فإنه يظهر لي احتراما قل نظيره، وعليه علامات السكر فرائحة الخمر تغطي على روائح البنزين المنبعثة من الدايو؛ فيتحدث إلي عن هموم القرية وأوجاعها، وبؤس الطريق، ونقص الخدمات وسوء شبكات الصرف الصحي، ثم يقول بصوت عال لماذا لايبنون لنا إسكانات، ولماذا لايزور الوزراء القرية ليوصلوا لها الخدمات؟.
ولماذا إلى الآن لم تصل .... إلينا وتتعرف على ما نحن فيه من حالة يرثى لها؟؟
ويتساءل بكل جرأة وواقعية عن واقع القرية البائسة.
ثم يوجه لي سؤال المستغرب المتعجب المنكر.
ليش ماحكيت ع الحقيقة أنت فهمان عن الطريق ولو استدعى الأمر تعال إلى ﻷكتب لك المطالب على ورقة وتقرأها؟؟
فأدهش وأجن وأفرح بنفس الوقت وأحاوره؛ ﻷنه يتكلم عن واقع وإن كان مجنونا أو شاربا.
ولكن المصيبة أن صاحبنا إذا صحا عاد قطا أليفا ومواطنا جميلا وادعا مسالما.. فأتذكر مع صديقي وكنتروله وقريتي الجميلة قول شاعر جاهلي...
ولقد دخلت على الفتاة الخدر في اليوم المطير...
الكاعب الحسناء ترفل بالدمقس وبالحرير...
فل........
ولقد شربت من المدامة بالصغير وبالكبير...
فإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير...
وإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير...
وقد عنت لي فكرة مجنونة؛ وهي أن يشرب جميع اهل القرية حتى الثمالة ثم يخرجون في صعيد رجل واحد، عندها ستسمع الآذان الصماء أصوات المقهورين والمقموعين والمضطهدين. وإن كانوا سكارى؛ ﻷن نتيجة العقل كانت لم ينجح أحد.
الدكتور مهدي الشموط