حديث دولة رئيس الوزراء في برنامج 60 دقيقة كسراب يحسبه الظمآن ماء ، لم أجد أي رؤية فيه أو خارطة طريق واضحة يمكن بها الخروج من المأزق السياسي والاقتصادي الذي تعيشه الأردن حالياً .
المواطن الأردني لا يهمه كثيراً آلية تفسير عجز الموازنة وعلاقتها بالدين العام ، وكيفية تأثير ذلك على قيمة الدينار ، فهناك الكثير من وزراء المالية والاقتصاد لم يفهموا هذه المعادلة طيلة 40 سنة ، ولو فهموها من الاول لما وصلنا إلى هذه الحالة . واليوم دولة الرئيس عذراً ، تحاول أن نشرحها في 3 دقائق لشعب كحيان ، كان يمني النفس بخطة ترحم الاستنزاف من جيبه ، او تبشره بعيدية تعينه على الحياة في الأردن .
دولة الرئيس وأنا كمواطن أردني لم أعد اعتقد بأن هناك معارضة أردنية ، طالما ان كل من كان في صفها يتحول إلى الموالاة بمجرد استلامه لمنصب ، وإلا لم أجد تفسيراً واحداً على موافقتكم وحزمكم على تنفيذ ما عارضتموه خلال فترة نيابتكم ، فهل المعارضة تعد كذلك إذا كانت موجهة لأشخاص رؤوساء الحكومات ، أم أنها يجب ان توجه للبرامج والسياسات والخطط التي تخالف الطبيعة السياسية والاقتصادية الأردنية ، واليوم أجدكم تنفذون السياسات التي أقرتها الحكومات السابقة بشخوصها ، فالمعارضة في الأردن أقصر الطرق للوصول إلى الدوار الرابع وتوابعه .
كم حلمت دولة الرئيس بأن تخرج علينا بنظرية اقتصادية أردنية تسجل باسم عبدالله النسور بجانب اللقب الرسمي الذي حصلت عليه ، لتنقذنا من الواقع الاقتصادي الصعب والذي أنت خيرتنا بينه أو انخفاض قيمة الدينار ، وأنت تدرك تماماً دولة الرئيس أن الخياران أحلاهما مر ، ولكن لم أدرك للحظة أن السياسات والخطط الاقتصادية تدار بهذه الطريقة في الأردن ، وبطبيعة الحال لو كان خلاف ذلك ، فلما وصل الحال لما عليه الآن .
كيف لدولة أن تحصل على 7 مليار دولار من جيوب مواطنيها عبر الإيرادات من الضرائب المختلفة التي أنهكتم بها سنسنفيل المواطن الأردني ، وبالطبع حسب أرقام الموازنة العامة فأكثر من 90% من مصادر تمويل الموازنة هي من الضرائب والرسوم ، وبالأخير يقال أن المواطن لا يدفع سوى 2 مليار ، وأنت يادولة الرئيس أول من أشار سابقاً أن الحكومة تحقق أرباح تصل إلى 250 مليون دينار من فروقات أسعار البترول ، وأن أسعار البترول في الأردن مصدر للأرباح وكلما رفعت الأسعار زادت الأرباح ، بشكل ليس له علاقة بأي نوع من الدعم .
التعليم والصحة حقوق مكفولة في الدستور للمواطن بجانب الحق في الحياة والتمتع بحياة كريمة ، وهي ليست منة من أية حكومة أو مسؤول في هذا البلد ، وهناك دول محيطة بنا وتشهد حروباً وفوضى وحرباً طاحنة وما زالت تدفع رواتب لمتقاعديها ، وتكفل حق التعليم والصحة ، وفي الأردن نعتبرها منحة أو منة .
دولة الرئيس الشعب يريد إسقاط الفساد والسرسرة ويريد تعميق الشفافية وحرية الرأي والعدالة والمساواة في الحصول على الفرص بين أبناءه ، واليوم اعتقد أن هذه الآمال قد تبدو صعبة المنال ، فما قيل منذ بداية الربيع العربي وعن الإصلاح في الأردن ، تم اعادة تدويره اليوم على لسان الدكتور النسور ، وقبل أمس على لسان الطراونة المكروه شعبياً ، وربما كان اختياركم للرئاسة كنوع من تجديد الوجوه في الشارع الأردني ، مع الالتزام الكامل من قبلكم بعدم العبث وبتنفيذ السياسات والأجندة الاقتصادية والسياسية التي اتبعتها الحكومات السابقة رغم اختلاف شخوصها .
اليوم أدرك وأجزم أن الأردن أعمى يسير إلى حيث لا ندري ، فهل هو يسير للخلف ام للأمام ، مع الاحتفاظ بحقي في إعطاء صورة واضحة عن المستقبل في الاردن بأنه مظلم وغير مبشر ، طالما مازالت نفس العقلية السياسية تحكمنا وبنفس العصا أو السياسية باختلاف السجان .
أين الأردن من تبني استراتيجيات تنموية مخططة للتخفيف من عجز الموازنة في المستقبل ، وليس فقط مجرد ضبطاً للنفقات .،فأين الأردن من وجود مدرسة اقتصادية أردنية تتحدث عن الاستثمارات الاجنبية ، وكيفية تنمية الاستثمارات المحلية ، ومحاولة إيجاد صناعة سياحية طويلة الاجل وليس مجرد أرقام وجهود عشوائية من قبل وزارة السياحة ترمى هنا وهناك .
نريد وضع خطط وتصورات وسيناريوهات اقتصادية لمعدلات البطالة في الأردن ، وربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل ، واستغلال الأراضي الأميرية في الأردن للنهوض بفكرة المشروعات الصغيرة والميكروية ، وكيفية النهوض بمستوى الاقتصاد ككل على مستوى الماكرو وليس الميكرو .
دولة الرئيس يجب أن نتجاوز في الأردن عند الحديث عن التنمية والتطور مرحلة تبسيط الإجراءات ، وهل يحق للمتقاعد أن يعمل أو لا يعمل ، وكيف يمكن للحكومة التفنن في رفع الأسعار وفرض سياسات جبائية جديدة ، وكيف يمكن لشرطي سير أن يتربص بمواطن ليسجل بحقه مخالفة ب 150 دينار مع العلم بان راتبه قد لايصل لهذا الرقم ، ليقوم هذا المواطن بحرق مركبته جراء ذلك .
نريد أن نشعر كأردنيين بان لدينا سياسة زراعية واضحة في الإنتاج والتسويق الزراعي ، ويحق لنا ان يكون في الأردن سياسة تعليمية واضحة تجعلنا من مصافي الدول في هذا المكان ، والانكفاء عن المشاحنات وتصفية الحسابات بين الشخوص أنفسهم الذين أوصلونا لهذا الوضع . وأبشركم دولة الرئيس طالما ان الوضع الاقتصادي والسياسي في الأردن لم يتغير بشكل جذري، فإن أحد إفرازاته إعادة إنتاج مجلس النواب المنحل رغم وعودكم بغير ذلك .
د.إياد النسور