جاء الخطاب الملكي مفعما بالأمل بمستقبل الأردن ،وفتح أمامنا آفاقا واسعة للثقة والأمل بغد أفضل لبلدنا ولأجيالنا. جلالة الملك توقف عند التحديات والمشكلات والملفات الوطنية الشائكة ،وألقى الأضواء الساطعة عليها وبصراحة كاملة وبثقة كاملة بوعي الشعب الاردني. وجلالته طالب الجميع بتحمل مسؤولياتهم بالبحث عن حلول حقيقية لمشكلاتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ،ولفت أنظار القوى السياسية والاجتماعية والأفراد والمؤسسات إلى ضرورة الخروج من دوائر التنظير والتشكيك والسوداوية و الإدانة ، والانتقال إلى ميادين العمل والإنتاج والإبداع . وجاءت الدعوة الملكية للمشاركة في الانتخابات النيابية شاملة للجميع موالاة ومعارضة بوصفها البوابة للتغيير والإصلاح ،فكل من يبحث عن المستقبل الافضل عليه أن يعمل من خلال المؤسسات الدستورية .
الخطاب الملكي شدد على ضرورة التفريق بين معارضة وطنية بناءة وأخرى هدامة ،و بين من يقدم جهده المخلص لتحقيق الاصلاح المنشود بموضوعية ونزاهة واحترام لقواعد العمل السياسي والدستوري والوطني العام ،وبين معارضة هدامة وسلبية لا تتقن سوى الشتم والتجريح والتيئيس والتهويل ،ولا تمتلك لا الرؤيه ولا البرنامج . وجلالته يلفت الانظار الى أن قوى المعارضة الرجعية والمتطرفة وغير المتسامحة ليست أمينة على مستقبل الوطن والمواطن ،وهذا ما ينبغي أن نتنبه إلى خطورته، فمثل هذه القوى لايمكن أن تكون خيارنا الأفضل لقيادة الأردن القادم.
في سياق الخطاب الملكي نلحظ احتراما للحراك الشعبي المندد بالفساد والمتطلع الى الاصلاح .وهذه هي القيادة الهاشمية كانت الاقدر على تفهم النبض الحقيقي للشعب ،وقراءة اتجاهات التطور والتغيير التي تجتاح الدنيا في كل مرحلة،فكان الهاشميون صناع تقدم وتنمية ورفاه ،ولم يكونوا طلاب حكم . و للحكم مفهومه الخاص لدى القيادة الهاشمية خدمة للأمة وسهرا على مشروعها النهضوي . ولعل النماذج الهاشمية في الحكم في بدايات الديمقراطية الأولى التي عاشتها المملكة السورية بقيادة فيصل بن الحسين،وفيما بعد في المملكة العراقية مع بدايات تأسيس الدولة العراقية المعاصرة ،وعبر النهج الهاشمي في الحكم في الأردن ،كلها تشير إلى نهج حكيم وتقدمي يقوم على فتح أبواب المشاركة الشعبية والحكم الدستوري والبرلماني ، ولم تعرف الدول التي حكمها الهاشميون -في عهدهم - سوى الديمقراطية والتسامح والحرية واحترام إنسانية الانسان والاعتناء بالتنمية البشرية،ولم يكن أحد من ملوك بني هاشم إلا حانيا على شعبه منسجما مع تطلعاته في التقدم والوحدة والحرية .لم يتورط أي منهم في الدموية و الاستبداد و القمع . ولم يعرف الأردن ما عرفته دنيا العرب من قمع ومجازر جماعية وحروب أهلية ،وأخرى وهمية وعبثية،ولم يعاني المواطن الأردني من إستبداد فرد او سلطة أو جهاز.
إن المضامين الرائعة التي وردت في الخطاب الملكي يجدر بنا جعلها خطة للعمل الوطني العام خلال المرحلة المقبلة ،وهي مرحلة هامة ومصيرية،ومن الضروري أن نخاطب القوى السياسية والمجتمعية كلها للانخراط في خطة العمل الوطني تلك دون تردد ودون حسابات شخصية ،لكن الأهم أن نطالب الحكومة الحالية أن تكون على قدر المسؤوليات الملقاة على عاتقها،وأن تبذل قصارى جهدها في العمل الجاد المثمر ،وعلينا أن نعترف بأن الحكومات كانت في الأغلب الأعم هي من يخذل جلالة الملك والشعب ،وهي من يصنع المشكلات و يراكمها ويفشل في حلها ،ولنا تجارب مريرة مع حكوماتنا عبر عقود وسنوات ،ولنا تجارب مريرة مع شخصيات تولت المسؤولية في مرحلة سابقة وساهمت في صناعة مشاكلنا وتعميقها لكنها اليوم تتأبط شرا ،في محاولة لتبرئة الذات عبر إدانة الوطن ! نأمل أن تأتي اللحظة التي لا يرتقي فيها أحد سدة المسؤولية إلا مؤهلا بالرؤية والبرنامج ،ومتوفرا على الكفاءة والأهلية والخلق،ومن هنا فإن الحكومة الحالية تتحمل مسؤوليات كبيرة وجسيمة ،ولا مجال أمامها للتخبط في أبسط الأمور كالتوقيت ومواعيد الدوام،وليس لها من عذر في الفشل او في صناعة التأزيم !!