لعل من أهم واجبات الحكومات بشكل عام تنظيم الحياة العامة للناس، والعمل على راحتهم، ورفع مستوى رفاهيتهم، ناهيك عن حمايتهم من شر الأشرار وعبث العابثين. ولذا تشرع القوانين والتعليمات والأنظمة لتحقيق تلك الأهداف.
وحيث إن هنالك فرقاً مابين السياسة وأهدافها والإدارة، حيث أن الثانية تتبع الأولى ، وتتخذ من التشريعات والإجراءات مما يجعلها تتوافق معها، وللعمل على تحقيق أهدافها ومراميها. ولذا فقد اتخذت الحكومة وكما يقال ( بضربة معلم) قرار الإبقاء على التوقيت كما هو، وكان القرار قبل عطلة العيد مباشرة، حيث لم يتسن لأي مؤسسة أو دائرة حكومية أو خاصة ، العمل على ضبط وتغيير الدوام حسب التوقيت الجديد، وإبلاغ الناس به.
ولذا وخلال إجازة العيد كان الحديث الأبرز والطاغي للناس جميعاً ليس عن غلاء الأسعار، ولا عن الربيع العربي، أوحتى عن الانتخابات النيابية والبلدية المقبلة، أو غيرها من القضايا التي تهم العامة منهم، بل انصب حوارهم ونقاشهم حول التوقيت الشتوي والصيفي، وفوائد وسلبيات كل منهما، ومن هي الدول التي تطبق أي نظام منهما، والدول التي تجمع ما بين النظامين ...الخ.
فالمتدين منهم بدأ بالحساب والرجوع للمفكرة ليشاهد متى تنتهي صلاة الفجر، وما الوقت المتبقي لديه للذهاب لعمله، والبعض ممن يسكنون في عجلون وجرش مثلاً وعملهم في عمان بدأ بالحساب متى سوف يخرج من بيته، خاصة أيام المربعانية حيث الأمطار والثلوج والصقيع...الخ. ومدى خطورة ذلك. والبعض الآخر بدأ بترتيب كيفية إيصال أولاده إلى المدارس ثم ذهابه للعمل، وهكذا فالكل مشغول بنفسه .
وبعض الكتّاب بدأ يرمي باللوم على الحكومة لأنها اتخذت القرار سريعاً دون دراسات معمقة للسلبيات جراء قرارها بتثبيت التوقيت الصيفي، وجعلوا من ذلك عذراً للحكومة ، مع أن بعض أعضاء الحكومة يعلمون تلك الدراسات أكثر مما يعلمه بعض الكتّاب. وبعض الكتاب استعرض الدراسات المفيدة حول التوقيت، من حيث بعدنا وقربنا من خط غرينش ...الخ، وما علموا أن في الحكومة من الوزراء من يستطيع حساب البعد والقرب من غرينش وغيره وبدقة متناهية ولأسباب عدة، بل بعضهم يعلم التوقيت في كل أنحاء العالم.
واليوم تطالعنا أزمة أخرى مفادها أن الحكومة تدرس العمل بنظام الزوجي والفردي لسير المركبات على الشوارع، وبدأ الناس كذلك بالنظرلأرقام سياراتهم ، ولمعرفة هل هي زوجي أم فردي، وبدؤا بالترقب لصدور قرار الحكومة بشأن ذلك، وما هي الأيام التي يسمح لهم باستخدام مركباتهم، ثم التفكير في ترتيب أوضاعهم بإيصال أولادهم للمدارس، ومتى يمكن لهم الوصول لمكان عملهم ، ثم بدؤا التفكير المستغرق بكيفية ترتيب ذلك مع الجيران أو الأقارب أو الأصدقاء، أو استئجار باص هيونداي ومقدار التكلفة ...الخ.
أما ميسوري الحال والذين لديهم أكثر من سيارة فأخذوا يدعون الله أن تكون واحدة زوجي والأخرى فردي، ومن تحقق دعاؤه حمد الله كثيراً على تلك النعمة، وإن لم تكن كذلك فليعمدوا لتغيير أحد الأرقام، ومن لديه سيارة واحدة فبدأ التفكير لشراء سيارة أخرى، ولكن بشرط أن يكون الرقم مخالفاً لرقم السيارة التي يملكها.
أما الراغبون في الترشح للانتخابات النيابية أو البلدية المقبلة ،فيجب عليهم وجود أسطول من السيارات إحداها فردي والآخر زوجي؛ لاستخدامها أثناء الحملة الانتخابية ، وخاصة يوم الانتخابات الذي لا نعلم هل سيكون للسيارات الفردية أم الزوجية. والبعض ربما اتخذ إصلاح التوقيت شعار لحملته الانتخابية، وربما كانت عبارة عن ساعة ممسكاً بعقاربها وقد أرجعها للخلف مثلاً ... وهكذا.
أخيراً شكراً للحكومة فقد نجحت في إشغال الناس أثناء عطلة العيد وما بعدها، وأصبح همّ الناس إصلاح التوقيت، والإبقاء على الفردي والزوجي، فنحن مخلوقون من ذكر وأنثى، ونصف المجتمع متزوجاً والنصف الآخر عزّاب، أما الشياب منهم فشكروا الحكومة لأنهم استذكروا سميرة توفيق أيام شبابهم وشبابها، وراح أحدهم يخاطب الآخر رف الحمام مغرب ... مجوز ولا فرداوي. ثم يدعون الله جلت قدرته أن يعود التوقيت للشتوي فهم بحاجة للدفء والراحة.