نظامنا السياسي نيابي ملكي وراثي دستوري ،ويحتل البرلمان مكانة متقدمة وهامة في سلم توزيع السلطات فيه ،وتكتسب الحياة النيابية أهميتها مما يؤديه البرلمان من أدوار هامة في الحياة السياسية ،في التشريع والرقابة . وهذا يتطلب وعيا مضاعفا من قبل الناخبين لأهمية الدور الذي يمارسونه وهم يؤدون واجبهم و حقهم الانتخابي .
فهل يعي الناخب خطورة المهام التي يرسل النائب إلى البرلمان للقيام بها نيابة عن الشعب؟ وهل يعي الناس وصف المهام التي سيقوم النائب بها ومطلوبة منه ؟ وهل يعي الناخب أنه يقرر عبر صندوق الاقتراع وبفضل قوة صوته شكل البرلمان ،وتركيبته ،ونوعية النواب الذين يجلسون في مقاعده ؟ ليقرروا (النواب) بدورهم مستقبل الوطن على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
لهذا كان من الضروري أن نتوقف جميعا عند عظم المسؤولية الواقعة على عاتق الناخب في كل عملية انتخابية ،لكن مسؤولية الجميع مضاعفة في الانتخابات النيابية القادمة ،التي تكتسب أهمية خاصة من حيث توقيتها وطبيعة اللحظة التاريخية والوطنية ،ومن حيث حجم الاستقطاب السياسي الجاري من حولها مشاركة أو مقاطعة ،ومن حيث الآمال الكبيرة المعقودة عليها لتنتج مجلسا نيابيا يمثل الناس أفضل تمثيل ويعبر عن حقيقة مواقفهم وهمومهم وتطلعاتهم ،بعيدا عن أي تشكيك في الاجراءات المنتجة له،وهنا تنعقد الآمال على الهيئة المستقلة للانتخابات ،في أن تفي ومعها كل مكونات الدولة بتعهدات وتوجيهات جلالة الملك بإجراء عملية انتخابية نزيهة وشفافة وسليمة،فقد تجاوزنا أي محاولة لتشويه وجه الانتخابات ،فمن يتلاعب بالانتخابات القادة يتلاعب بمستقبل الوطن، ويكون مصمما على تقديم الفرصة الذهبية للقوى المشككة والمقاطعة والمتلهفة لأي عثرات ستمسك بها لتزيد من حالة الاحتقان ولتبث روح الاحباط واليأس والفوضى،وكل مخلص للأردن معني بتفويت هذه الفرصة السوداء على منتظريها .
ومن هنا فإن الدولة بكل مكوناتها والقوى الوطنية والمجتمعية المتمسكة بمستقبل الأردن مطالبة ببذل قصارى جهدها لإنجاح العملية الانتخابية من حيث معدلات المشاركة والشفافية والمصداقية والدقة والتنظيم والضبط والحكمة والرؤيا المتكاملة والأداء الذكي وما أحوجنا إلى الذكاء السياسي والاجتماعي في لحظتنا الفاصلة هذه.
وكما قال جلالة الملك فإن المشاركة في الانتخابات هي بوابة التغيير والإصلاح ،ومن يبحث عن الاصلاح والتغيير فليتبع القنوات الدستورية وفي مقدمتها البرلمان . لذا فإن المشاركة الواسعة والواعية في الانتخابات النيابية القادمة هي وحدها من ستؤدي الى خلق برلمان مختلف ،وستتيح تمثيلا واسعا لكل الاتجاهات والشرائح والمكونات السياسية والفكرية والاجتماعية ،وستمكن الشرائح الفقيرة ومتوسطة الدخل من الحضور في البرلمان عبر ممثلين حقيقيين لها ،طالعين من رحم المعاناة الشعبية .
وهذا يتطلب وعيا من الناخب ، وحذرا من الشعارات الفارغة ، وبحثا عن برامج وتصورات علمية وموضوعية لمعالجة الهموم والملفات الوطنية الشائكة ،كما يستدعي تحررا من الاعتبارات الشخصية والقرابية في الانتخابات ،و يتطلب تخلصا من براثن رأس المال الحرام (السياسي) الذي إن نجح في سرقة البرلمان القادم يكون قد سرق منا فرصة نادرة لإعادة الثقة بالمؤسسة البرلمانية .
ومن هنا،فإن الضرورات تبيح المحظورات،وتوجب علينا الرد على الحرب النفسية التي يشنها الرأسماليون اليوم بأنهم من سيقرر شكل البرلمان القادم ،وبأنهم وحدهم من يتمكن من إنفاق الملايين على المرشحين في القائمة الوطنية وفي الدوائر الفردية ،والمواجهة تتطلب تنظيما للصفوف ، وتأطيرا للشخصيات والقوى الوطنية النظيفة، وتفعيلا للرقابة الأمنية والقانونية والإعلامية على سماسرة الانتخابات وتجارها، منعا لهم من سرقة المستقبل كما سرقوا الماضي. فلتبك أعينهم قبل أن تدمع عين الأردن .