استيقظ ، فلتنهظ يا محمد . انها التاسعة الآن ، ووالدك يريد الصحف . حاضر يا أمي .. صباح الخير ، أنهض من نومي و أنا ما أزال أشعر بالنعاس كثيرا فلم أنم جيدا البارحة ولكن والدي يريد الصحف. أبدل ثيابي مسرعا وأغسل وجهي لاتخذ مظهرا اكثر استيقاظاً ، صباح الخير يا أبي ، صباح الخير يا بني ، تعطيني امي المديرة المالية في المنزل ، بعض النقود لشراء الصحف ، أخرج من المنزل وكعادتي أقول في كل صباح (بسم الله اللهم يسر لي) . ومن ثم ابتاع صحيفتين يوميتين من المكتبة التي تبعد عن بيتنا حوالي خمسئة متر فقط ، كما ابتاع علبة سجائر لوالدي وربما أخي إن كان في يوم عطلة .
أعود للمنزل أعطيه الصحف والجسائر . تنسل يدي دون علمي لأخذ الجزء المتعلق بالرياضة لمعرفة آخر الأخبار ، وبعد فاصل من القراءة ، يطلب مني أبي التوجه إلى جهاز الحاسوب لكي أساعده عمل ما ، أساعده لأن أبي ذو العين شبه الزجاجية بسبب وضعه لعدسة لتساعده في تعديل الفارق الكبير في ضعف النظر بين عينيه ، والدي على مشارف الستين ، أعيته الحياة واتعبته الأمراض. في معظم الأيام أحب هذا العمل لأنه يشعرني بالفرح فأنا أساعد والدي . كما يشعرني هذا العمل بالمسئولية . نعمل معا لمدة ثلاث ساعات ربما أقل وربما أكثر حتى يقرر أبي انهاء ساعات دوامي
أتوجه أنا وأمي للمشفى لترتيب موعد لإجراء عملية جراحية لي ، نتوجه للعيادة وبعد انتظار طال يأتي دوري ليتم فحصي ، الطبيبة : ما الذي تشكوه أيها الشاب ، أجيبها بأنني أعاني من انحراف في وتيرة أنفي وأنني بحاجة لجراحة لتصحيح هذا الانحراف ، ترتدي عدتها الطبية ومن ثم تنظر إلى داخل أنفي . ثم تسألني كم تبلغ من العمر ؟ أجيبها بأنني أبلغ من العمر ستة عشرة سنة . فيسود وجهها وتقول بصوت مرتفع وغاضب : ستة عشرة سنة وتريد اجراء العملية الآن هل تعلم أن ما تشكوه لا يشكل سوى عشر المشكلة ، ألا تعرف أنك تعاني من تشققات والتهابات وتقصف وتقصر وحسسية وقلة الدم الواصل لأنفك وجيوب أنفية و و و ، أقاطعها بسرعة و أقول بصوت يائس ، إنني أعاني كثيرا من ضيق التنفس ، حيث لا أستطيع النوم ليلا إنظري إلى وجهي البائس.. إنني تعب كثيرا .. ألا استطيع إجراءها الآن . تقول : لا هل كلامي واضح .. لن ينفعك ذلك الآن بل وحتى بعد العملية ستبقى تعاني طوال حياتك . فماذا تنتظرين .. فلتعالجيني إذن ! أقول في نفسي لا حول ولا قوة إلا بالله لقد كنت أظن أن الأطباء هم ملاكئة الرحمة ، لكن لم أعد أظن ذلك الآن .
أذهب لشراء الدواء من الصيدلية لإشاهد منظرا عددته محبطا للآمال ، شاهدت قطة تحتضر بعدما دهست من قبل سيارة مسرعة كالعادة ، بقيت الهريرة تنازع لدقائق معدودة فما ممستشفى قططي وما من سيارة إسعاف يقودها قط ! وما حتى من قطة أخرى تعالجها أو حتى تعطيها تنفسا اصطناعيا ، ثوان ثم تلاحظ لحظة خروج الروح ولن أكمل .
شعرت بالحزن كثيرا ، ما هذه الحياه ! إنها صعبة أليس كذلك كما أنها مفاجئة بنهايتها فلا تعطي أبدا أي موعد لذلك ، أعود للبيت لأجد أبي قد استيقظ لتوه من غيلولته المعتادة ، أجلس مقابل أبي وأقول : أريد التحدث إليك في موضوع ، فيقول : اهدئ يا بني فأنا من يريد التحدث في موضوع معك ، نتحدث عن عدة مواضيع مختلفة ثم يقول لي كلمة رنت في أذني كما يرن الجرس في ساح المدرسة ، فيقول لي : انني لن أعيش طويلا ، لن أدوم لكم . فأجيبه بصوت حزين جدا بأني لبيه وسعديه في أي طلب يطلبه مهما كان . ثم أقول لقد حان دوري ، أبي إن هناك الكثير مما يقلقني في هذه الحياة إنها صعبة . نعم انها صعبة وغريبة . الموت نعم إنه الموت ، لا يرحم أحدا حتى وإن لم يكن هو الشخص المائت فيضره ويحزنه موت أحد الأقارب أو الأصدقاء فماذا إذا كان قريبا جدا ، أبي إنني لم أنس دموعك يوم وفاة جدتي . إنها صعبة أليس كذلك أنا لا أراك سوى مرة واحدة اسبوعياً وأنا لا أريد عيش أعز أيام شبابي بعيدا عنك . يتكئ قليلا ثم يقول بلسانه الحكيم : أريد أن أخبرك قصة يابني كان هناك في زمن الخلفاء شخص طاعن في السن ميسور الحال يحب مساعدة الآخرين في المال وكان يخبئ ماله في جوف فتحة في جدار المنزل ، ففي يوم قدم عليه سائل للمال على أن يسده بعد فترة حيث طلب منه الذهاب لذلك الجدار وأخذ حاجته ، وبالفعل اشتغل بالتجارة وربح نقودا كثيرا فأصابه الطمع ورفض اعادة ذلك المبلغ ، وبحكمة من الله خسر أمواله ، فعاد ليطلب نقودا من نفس الرجل فيطلب منه مرة أخرى للذهاب إلى فتحة الجداء وأخذ ما يريد فذهب وعاد مسرعا غاضبا ما هذا يا رجل لا يوجد أي نقود هناك ، فأجابه يا بني لو أعدت ما أخذت لوجدته الآن ، فمن زرع حصد ، وأنت لم تزرع فكيف تأتي لتحصد . فيقول أبي مهما كنت تعاني وترى الحياة صعبة فما زال أمامك الكثير الكثير فأنت ما تزال في مقتبل العمر ، واعلم أن من يتعب في شبابه يرتاح في شيخوخته ومن يرتاح ويلعب في شبابه يتعب كثير في شيخوخته حيث في ذلك الوقت لن يستطيع التحمل . أنت تزرع الآن لتحصد مستقبلا واعدا بساما إن شاء الله ، يا بني اذهب وصل ركعتين شكراً لله لعل الله يشرح لك صدرك ، ثم اذهب واخلد للنوم واعلم أنه مهما اسود و طال الليل فغدا ستشرق الشمس وتأتي بالنور .