بات الملعون الذي يدعى بالإنترنت بين متناول الأيدي .. الصغير و الكبير .. و الكتاب الذي كان الأنيس الوحيد للعزلة الاجتماعية والسياسية والثقافية التي كانت تسيطر علينا في ذلك الزمن أصبح في عداد الأموات . والمذياع ( الراديو ) كان من الممتلكات النادرة لبعض الفئات في المجتمع ، والالتفاف حوله كانت السمة الجاذبة لسماع المذيع عندما يقول .. هنا عمان .. أو .. صوت العرب .. أو .. هنا القاهرة .. ومن ثم تعرفنا على تلك الشاشة ذات اللونين الأبيض والسود ( التلفاز ) في صندوقها الخشبي الجميل .. وكم كان لهذه الشاشة دور في لمّ شمل الأسرة والجوار .. عندما يتأهبون لحضور أحد البرامج التي كانت تعرض على قنال التلفزيون الأردني أو السوري .. حيث كانتا القنالتان الوحيدتان اللتان من الممكن التقاطهما حينها .. !!
وعلى الرغم من كل هذا التقدم في ذلك الوقت ، إلاّ أن الكتاب كان أنيسنا الذي نلجأ إلية كلما جدّ التعب علينا .. نقلّب أوراقه ونسترسل في قراءته .. وكأنه الماء الذي أطفأ ظمأ التائه في صحراء قاحلة .. نتلذذ بكلماته .. وسرّد أحاديثه .. هذا الكتاب الذي هجره الكثير الكثير في عالمنا اليوم إلى عالم آخر، يسمونه عالم الإنترنت ، وكأنهم ينشدون ضالتهم في هذا العالم الجديد ، حتى أصبح الكتاب في طيّ النسيان ، تتداوله و تزدان به أرفف المكتبات كمجموعة تحفٍ \" بالأكيد قيّمة وقيّمة جداً \".. كلمّا تذكرناها .. تذكرنا بأيام صبانا التي ولّت ، وولّت معها عبق صفحاتها الصفراء .. فنأتي إليها لنمسح عنها غبار الزمن الذي انطوّت مفرداته في ذاكرة الأيام .
كنا ونحن على مقاعد دراستنا في أغلب مراحلها وقبل معرفتنا بالإنترنت أو حتى جهاز الحاسوب .. نستقي معلوماتنا بالرجوع إلى بعضاً من هذه الكتب .. وعندما كان يطلب منا تقريراً أو بحثاً مفصلاً لأحد المواضيع الدراسية ، كنا نرجع إلى مجموعة من هذه الكتب \" المراجع \" نستخلص منها معلومتنا التي نبحث عنها .. بالتالي وبالإطلاع على مجموع هذه المراجع ، تكون قد تكوّنت لدينا ذاكرة معلومات كبيرة .. نسترجعها كلما احتجنا إليها في معترك هذه الحياة ..
وعلى عكس من ذلك في عصرنا الحالي .. عصر التكنولوجيا والمعلومات ، عصر الإنترنت ، أصبح الرجوع إلى المراجع الورقية \" الكتب \" وكأنه حمّلاً ثقيلاً يصعب الرجوع إليه .. وأخذ الإنترنت دوره في فتك الدماغ البشري .. وتجميد الذاكرة البشرية ، لتحتل مكانها ذاكرة الحاسوب والأقراص المدمجة ، وغيرها من الذاكرات التي إن أصابها تلفّ ما .. أصاب أرشيف معلوماتنا البشرية تلفٍّ مثله .. وراح الجيل الجديد يأخذ كل ما يريد من معلومات مفيدة أو غير مفيدة من عالم الإنترنت ، ودون عناء حتى في قراءة المضمون ، وطريقته الأسهل هي ( Copy ثم Paste ) .
نعم .. نحن مع التقدم التكنولوجي .. ومع استخدام كل ما هو جديد في عالم التكنولوجيا .. ولكن القاعدة الأساسية لمعلوماتنا .. هي درجة استطاعتنا على إنماء معلوماتنا الذاتية ، لأنها المرجع الأساس في تقدمنا وازدهارنا ، فالأساس السليم .. تكون مخرجاته سليمة بالتأكيد ..!!
akoursalem@yahoo.com