زاد الاردن الاخباري -
استطاع التعبير عن نجاحه بمدرسة إخراجية تجمع بين ملامح الواقعية وجمال الصورة، وتتميز بعبقريته في استخدام أدواته.. إنه المخرج السوري حاتم علي، الذي لمعت موهبته من وسط معاناة التهجير، مع أسرته من بلده القنيطرة بالجولان المحتل على أثر عدوان 1967م، وهو إذ ذاك طفل صغير لا يتجاوز السنوات الخمس. لقد وُلد حاتم علي في عام 1962م بمدينة القنيطرة، لذلك هو لا يرد نجاح الإنسان أو فشله لبيئته الأولى بدليل أنه لم ينشأ في ظروف تهيئ له نمو موهبته، بل عاش في أسرة عانت من مرارة الحرب والتهجير، فهو الأخ الأكبر لثمانية أطفال، لكنها جعلت من الطفل الصغير المسؤول الثاني عنها، مما أخرجه من عالم الصغار مبكرا ليجرب العديد من المهن الشاقة كعامل بناء ومحصل فواتير مياه ثم بائع متجول. الذهاب مشيا كان طريقه الوحيد إلى مدرسة الثانوية المالكية التابعة لوكالة الغوث الدولية (الأونروا) ليوفر ثمن الكتب، التي اكتشف من خلالها روائع الأدب العربي والعالمي، فبقراءاته المكثفة استطاع اكتشاف ذاته وموهبته التي بدأت بالقصص والخواطر، ونشرها في المجلات ضمن مجموعة قصصه الأولى "موت مدرس التاريخ العجوز"، والمجموعة الثانية "ما حدث وما لم يحدث"، ثم ثلاثية الحصار. الكتابة كانت المعبر الوحيد للتعبير عن موهبته مع ذلك الخجل الشديد الذي تميز به، وبعدها تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق عام 1986، ثم كانت له تجربة مميزة في كتابة سيناريو لفيلم (زائر الليل)، الذي أخرجه المصري القدير محمد بدرخان. وبقدرته على التعبير عن ذاته تخلص الشاب الخجول من خجله، وصار نجما تلفزيونيا في أوائل التسعينيات؛ حيث خاض حاتم علي تجربة التمثيل مع كبار مخرجي الدراما السورية في أعمال أبرزها (هجرة القلوب إلى القلوب)، و(قوس قزح) لهيثم حقّي، و(الجوارح) لنجدت أنزور، و(الغريب والنهر) لهشام شربتجي؛ حيث ظهر في 19 دورا مختلفا علقت معظمها في أذهان المشاهدين، ومنها دوره في مسلسلي (التغريبة الفلسطينية) و(عصي الدمع) من إخراجه؛ بعد أن انتقل للعمل مخرجا ليقدم أعمالا نالت إعجاب الملايين من الجمهور العربي، بمجرد شعورها بمذاقه المميز. جراح الوطن شكل حاتم علي مع الكاتب الفلسطيني وليد سيف ثنائيا متميزا جمعهما تناغم من نوع خاص في الكشف عن جراح الوطن؛ إذ برع الأخير بالكتابة الدرامية باستخدام الإسقاط التاريخي على الواقع العربي المعاصر التي لا ينقصها سوى ذلك المخرج المحنك الذي يدرك ملامح صورته جيدا، وكيفية التعبير عنها كمقطوعة موسيقية معبرة عن حالتها أو لوحة تشكيلية متكاملة العناصر تكاد تتحدث عن نفسها. الثنائي استطاع تحقيق تلك المعادلة في مسلسل (صلاح الدين الأيوبي)، وتبعته رباعية الأندلس التي حققت نجاحا وصدى هائلين؛ إذ تحكي عن تاريخ المسلمين في الأندلس بدءا من نشأة الخلافة الأموية بالجزء الأول (صقر قريش) عام 2002، ثم (ربيع قرطبة) عام 2003، وإلى خروج المسلمين منها في الجزء الثالث (ملوك الطوائف) عام 2005، ثم (التغريبة الفلسطينية). التغريبة الفلسطينية صاحب هذا المسلسل بالذات حالة قاسية على مخرجه ومؤلفه الذي يشاركه في تجربة قسوة التهجير نفسها، الأمر الذي أسهم في ترجمة النص إلى صورة تحاكي الواقع بسهولة، الذي اعتبره حاتم الإنجاز الأهم في حياته باعتبار أنه جزء من ذاكرته؛ إذ لم يكن ليتخيل نفسه وقتها بعد عدوان 1967 أنه قد يأتي عليه يوم ليقدم تلك التجربة كعمل فني يحرك بيده أدواته من خلف الكاميرا، التي استعاد فيها مشاهد التهجير والعيش في المخيمات في رحلة مؤلمة داخل ذاكرته لتخرج (التغريبة الفلسطينية) كأفضل ملحمة درامية جسدت مرارة ومعاناة الشعب الفلسطيني، من خلال أسرة فلسطينية فقيرة تعيش في أيام الاحتلال البريطاني، وما قدمه هذا الاحتلال من تسهيلات لاغتصاب الأراضي الفلسطينية على أيدي العصابات الصهيونية. وهكذا تحولت التغريبة الفلسطينية -من مجرد شريط محفور بذاكرة مخرج العمل ومؤلفه أيام النكبة؛ حيث عاش تفاصيله- لمسلسل آن أوان عرضه في الألفية الثانية، كوثيقة تاريخية مرئية تفضح الكيان الصهيوني بتوقيع حاتم علي ابن الجولان المحتل. بعدها استطاع حاتم علي أن يرفع شعار مدرسة "أنسنة التاريخ" فأصبح أكبر المعبّرين عنها، فجعل من التعبير عن وطنه رسالة صرخت متجسدة في عدد من أعماله، وكان فيلم (الليل الطويل) 2008 الذي تناول الاعتقال السياسي بسوريا من أبرز أعماله السينمائية التي كشف خلالها عن أحد صور القهر في المجتمع. الجرأة والمثابرة كانا مساعدي حاتم علي، اللذين استعان بهما في جميع أعماله، إلا أن شخصيته الهادئة وطباعه الجادة لم تمنعاه من التحول إلى ديكتاتور في أثناء التصوير. عشق المغامرة اسمه مصحوب بالمغامرات الناجحة والتحديات الصعبة، فمغامرة (الملك فاروق) لم تكمن فقط في إخراجه لمسلسل يحكي تفاصيل حياة آخر ملوك مصر ممزوجة بتفاصيل مرحلة من أهم مراحل مصر سياسيا وتاريخيا، ولكن أيضا في اختياره للمثل السوري "تيم الحسن"، الذي وافق على أن يكون أول تعارف له مع المشاهد المصري في الزي الملكي لـ"الملك فاروق"، فكان المسلسل رهانا قويا، واختبارا أثبت نجاحه. ولم لا.. وقد نقش "حاتم علي" اسمه على صفحات الدراما السورية في مسلسل (الزير سالم)، و(صلاح الدين الأيوبي)، و(صقر قريش)، و(ربيع قرطبة)، و(ملوك الطوائف)، و(التغريبة الفلسطينية)، و(على طول الأيام)، و(صراع على الرمال) الذي وجد حاتم نفسه فيه منافسا على العالمية. لذلك لم يلتفت حاتم لتلك الضجة التي صاحبت (الملك فاروق) وترك عمله يتحدث عن نفسه بأعلى متابعه جماهيرية في رمضان 2007، وفوزه بست جوائز ذهبية في مهرجان القاهرة للإعلام العربي في دورته الـ13، التي حصد فيها حاتم ذهبية أفضل إخراج ليتربع مع مسلسله على عرش الدراما العربية لذلك العام. والمغامرة أخذته هذه المرة لتحويل مسرحية (هالة والملك) لمنصور الرحباني إلى فيلم سينمائي (سيلينا)، ليعيد من خلاله اللغة الاستعراضية على الشاشة الفضية بأفلام مميزة حملت بصمته الخاصة التي خطفت من نجاح وشهرة العمل المسرحي منذ الدقائق الأولى في الفيلم، ليقدم تجربة تعبر عن رؤيته السينمائية المتجددة بتوليفة رائعة من الدراما والغناء والاستعراض، لا تخلو من تلك الرؤى السياسية الناقدة الحاملة لإسقاطات واقعنا العربي، والذي رأى صعوبة التجربة في كيفية المعادلة بين عصرنة الفكرة والحفاظ على أمانة النص الأصلي. مغامرة أخرى وتحديات جديدة يعيش تفاصيلها المخرج السوري حاليا للتجهيز لحياة "محمد علي باشا" في مسلسل تلفزيوني أعدت تفاصيله شريكته في النجاح الكاتبة المصرية "لميس جابر" بعد تجربتهما الأولى في (الملك فاروق)، ويجسدها الفنان يحيى الفخراني، كما أن لمغامرته الحالية طابعا مختلفا مع مسلسل (رجال مطلوبون)، الذي تنفذه شركة إنتاجه الخاصة (صورة للإنتاج الفني)، التي دخل بها عالم الإنتاج بآخر مسلسلاته (صراع على الرمال)، التي حملت رقم 32 ضمن أعماله التلفزيونية. يتولى حاتم حاليا إخراج مسلسل (رجال مطلوبون)، الذي ستعرضه MBC حصريا، وهو مسلسل مكسيكي بنكهة عربية تم الاكتفاء بتسعين حلقة فيه، من أصل 250 في النص الأصلي، ويتناول التفاصيل الإنسانية والمشكلات الحياتية في المجتمع. ومؤخرا حصل حاتم علي على المرتبة الـ86 في قائمة أقوى 100 شخصية عربية في عام 2008 لمجلة "أرابيان بيزنس arabian business"، الأمر الذي وضعه في مصاف مجموعة من الأسماء المؤثرة في العالم العربي. mbc