(( فلنعيـــد بـرمجـــة عقــولنــا ))

(( عبيـر عـدنـان القطـب ))


تبرمج عقولنا منذ الطفولة عددا هائلا من الوظائف يتولى العناية بها وحفظها

الجزء الخلفي من العقل او ما يسـمى ( المخيخ ) الذي يضعهـا في ادراج

معنونة ومرتبة ، فهذا درج للسيـر او المشي يحفظ فيه المخيخ ما برمجت

عليه من طريقة مشـي معينة واصبحت تمارسها بشكل تلقائي فأنت لا تفكر

وانت تمشي كيف تنقل رجليك او كيف تحرك عضلاتك ، كل هذا يتم وحده

فبمجرد ان تقرر ان تمشي يصدر عقلك امرا للمخيخ الذي يفتح درج المشي

فتصدر منه الاشارات العصبية لمراكز التخزين في المخ التــي تقــوم

بدورها باصدار اشارات عصبية اخرى موجهة لعضلات رجليك فتتحـرك

الرجلان تلقائيا و تمشي دون ان يحتاج الامر منك لأي تفكير ..

وقياسا على هذا فهنـالك درج لكل النشاطـات التلقائية التي برمجنا عقولنا

عليها كالجري وقيادة السيارة و السباحة ... الـخ ...


كما ان هناك وظائف آلية مبرمجة داخل جسدك تعمل وحدها دون ارادتك

ولو حاولت ان تتدخل في ادائها لاختلت كمحاولة التحكم في النوم او فـي

وظائف الجهاز الهضمي او العصبي او حتى محاولة ملاحظة عدد المرات

التي تطرف بها عينك او عدد المرات التي تتنفس بها في الدقيقة الواحـدة

فلو ركزت مع عينيك او مع تنفسك فستضطرب وظائفهما ويصيبها العتـه


جميع هذة الوظائف التي يمارسها جسدك دون ان تدري تشبه قارة يعمـل

بها ملايين البشر المسخرين لخدمة سيادتك .. فتخـيل انك تملك لوحـدك

45 الف مليون وصلة عصبية داخل جسدك تعمل جميعهامعا بسرعة واتقان

وانسجام فأنت تستطيع ان تأكل و تتكلم مع زوجتك و تدخن و تتفرج على

التلفاز و تهرش في رأسك و تتنفـس في آن واحد ودون عـناء فمـلايين

الجنود المجندة تعمل داخلك بلا كلل او اعتراض


تخيل ان عينا واحدة من عينيك تحوي مليون و500 الف كاميرا يبلغ حجم

الواحدة منها ( واحد على الالف ) مليمتر ..وانـك تملك 18 مليـون خلية

عقلية ما شاء الله بالتمام والكمال ...


واتسائل هنا .. ترى ما هو عدد الخلايا في عقلك التي تتحكـم بها بسابق
قصد وتصميم بخلاف تلك التي تعمل بشكل آلي ..؟؟ فهـل تفكر مثلا فـي

توسيع مداركك بالقراءة او بتعلم لغة او مهارة جديدة ..؟؟ هل تفكر بتطوير

عملك ام انك تمارس هذا العمل المبرمج سابقا في عقلك دون تفكير او ابداع

تماما كما تقود سيارتك او تقضي حاجتك ..؟؟


وما هو عدد الوصلات العصبية التي تحركها بمحض ارادتك كأن تتريض

او ان تتنفس عشرة انفاس عميقة في الصباح قبل ان تبدأ يومك او حتـى

ان تقرر الا تسـتخدم المصـعد الكهربائي وان تصعد السلم الى مكتبك او

منزلك على رجليك ؟؟


وبما انك تملك مليون و500 الف كاميرا في العين الواحدة اي مليوني

وثلاثمائة الف كاميرا في كلتا العينين فاسمح لي ان اسألك ماهي اجمل

صورة التقطتها كاميراتك مؤخرا ..؟؟ وهل فكرت في استخدام بعضها

لتصور ما يحيط بك من جمال ..؟؟ جمال نور الفجر .. جمال الحمرة

التي تعتلي خدي الشمس وهي تودع الافق كصبية خجول تعـد حبيبها

بلقاء قريب .. ماهي الصور التي تلتقطها عينيك يا صديقي وانت فـي

طريقك لعملك ؟؟ هل ترى الخضـرة ام الزحام ..؟؟ هل تصور رقـة

زخات المطر المنهمرة على وجهك ام تلعن ابو الشـغل الذي اخرجـك

من تحت الاغطية الوثيرة ..؟؟


الا تتفق معي اننا جميعا بحاجة فعلية لاعادة برمجة عقولنا التي تأكسـدت

بفعل الزمن وبفعل الموروثات الثقافية التي تضعنا في اطر سخيفة ومحدودة

وعقيمة .. فما ان يبلغ احـدنا سن الثلاثيـن الا وتجده قد تشعلق بمهنة او

وظيـفة تسير به حيثما تشاء دون ان يبذل بدوره اي جهد اضافي لتحسين

ادائه او اضافة جديد لما هو صانع .


فلنفكر سويا يا صديقي القارىء كيف يمكننا اعادة برمجة عقولـنا لتنفتـح

على العالم الذي اصبــح يسبقنا بملايين السنوات الضوئيـة .. لنفكر في

طاقاتنا التي لا نستخدمها والتي نهدرها بأكل المناسف و الثرثرة ومشـاهدة

المسلسلات التركية الداعرة .. عسى ان ينفخ الله بصورتنا ونبدأ بالتحضـر

و الفهم ...فكفانـا خمولا واتـكالا ولنحاول ان نستـجمع طاقاتنا العقليـة

لننهض بمستقبل اولادنا الذين يجلسون الى جانبنا ونحن نجتر خيبتنا وتفاهتنا

ونشاهد ( نور ومهند ) وتحضرني هنا الجملة التي قالها الاعلامي والمفكـر

الكبير حمدي قنديل في برنامجه ( قلم رصاص ) والتي اوقف البرنامج على

اثرها ، قال ( بعد ان كنا امة محمد .. اصبحنا امة مهند )


فهل نسبقى امة مهند ؟؟ ام سنحاول ان نبدأ بتغذية عقولنا بسبل تفكير جديدة

ومثمرة لنعود الى عهد حضارتنا .. حضارة امة محمد ..؟؟