تزخر البادية الأردنية بالكثير من مقومات التنمية، إلا انه لم يتم الاستغلال الأمثل للعديد من هذه المقومات، في الوقت الذي شهدت فيه البادية ممارسات استغلالية جائرة وخاطئة للعديد من الموارد بشكل هدد وجود الإنسان والموارد على حد ًَ سواء، مما ساهم في بروز الكثير من المشاكل بشكل واضح.
وإن وضع رؤى مستقبلية لتنمية البادية الأردنية، من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق التنمية المستدامة الأكثر رفقاً للبيئة التي تأخذ جميع الأبعاد بعين الاعتبار، لمواجهة النمو السكاني المرتفع ومحدودية الموارد الطبيعية، وهذا يكون من خلال :
I. تطوير النشاط الرعوي، تعد البادية ذات أهمية كبيرة بالنسبة للاقتصاد الأردني، إذ تشكل أهم المراعي الطبيعية الرئيسية في الأردن، بحيث تتواجد فيها أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية، وبالرغم من تعرضها للتدهور الشديد والزحف الصحراوي، فهي لا تزال تساهم بشكل فعال في توفير الاحتياجات الغذائية لهذه الحيوانات. فأمام تدهور هذه المراعي وانعكاساتها السلبية على التوازنات الاقتصادية والاجتماعية، لابد من وضع استراتيجية تساهم في تنمية هذه المراعي، بحيث تتلخص أهدافها بــ :
أ. المحافظة على الموارد الأساسية وتحسين إنتاجيتها، ستشكل استمرارية استغلال الموارد واحداً من أهم الأهداف الإستراتيجية لتنمية المراعي. وعليه، تبقى المحافظة على البيئة، ومحاربة التصحر، والمحافظة على التنوع البيولوجي من الأهداف المركزية لهذه الإستراتيجية. وللوصول إلى هذه الأهداف لابد من جرد المجال الرعوي، وخلق مركز للدراسات والبحوث.
ب. خلق مناخ اقتصادي ملائم مع الأهداف المسطرة، يساعد على انخراط المنتجين في مسلسل التنمية، وعلى استمرارية نظم الإنتاج الحيواني الحالية. ولأجل خلق هذا المناخ الاقتصادي لا بد من تحقيق أرباح إضافية لفائدة المنتجين، ولا سيما الصغار منهم، ولهذا ينبغي تسهيل دخول هذه الفئة إلى السوق، والاستفادة من القروض. كما ينبغي على الدولة أن تكثف من تأطير هذه الفئة حتى تستطيع الرفع من إنتاجية القطيع بالمراعي. وللوصول إلى الأهداف المسطرة، يمكن تلخيص التنظيم والوسائل الضرورية لأسس التهيئ الرعوي في البادية الأردنية بالمحاور التالية:
1.خلق مجلس محلي للتنمية الرعوية يترجم السياسة الضرورية لتفادي صعوبة التنمية الرعوية. ويكون هذا المجلس ممثلاً على صعيد البادية الأردنية بلجان للمراعي مدعمة بالوسائل الضرورية، كما يتم تشجيع انخراط المنتجين في إطار تجمعات محلية لتدبير المراعي وصيانة المنشآت.
2.تقوية عملية الدعم في إطار تشاركي، بحيث يجب خلق وصيانة نقط للماء، وخلق صندوق للتأمين ضد الجفاف، وإنشاء محميات رعوية جديدة، وإقرار تشجيعات لخفض رؤوس الماشية بالمراعي، لتخفيف الحمولة على المراعي، وتشجيع الدخول إلى الأسواق المربحة عبر خلق التعاونيات، وتنظيم عملية التسويق.
3.القيام بعمليات تحسين المراعي بوتيرة منظمة، وعلى مساحة تمكن من خلق ديناميكية في الإنتاج تحقق صيانة الموارد.
4.خلق وتقوية منشآت البحث والتتبع والدراسات التنموية لكل الأنظمة البيئية، بهدف بناء أسس علمية لتحسين المراعي.
5.توفير الموارد المالية اللازمة للصيانة والمحافظة على الموارد الرعوية.
II.الاهتمام بالسياحة القروية، وهذا يكون من خلال الاهتمام بالتراث المحلي للبادية، والمتمثل بالأنشطة الفلكلورية التقليدية التي تعبر عن الفنون الشعبية، كإقامة المهرجانات الشعبية والفلكلورية، وتطوير الصناعات الحرفية التقليدية، كالحفر على الخشب، والتحف، والخزف، والتطريز...الخ. وتنمية السياحة الصحراوية، من خلال إقامة سباقات للخيول والإبل ورالي للسيارات، وأيضاً من خلال إيواء السياح في البيوت التراثية (إصلاح وترميم المنازل القديمة مع الحفاظ على خصوصياتها، وبيوت الشعر والخيام). فهذه السياحة ستساهم في إحداث التنمية في البادية، وتحسين المستوى السوسيواقتصادي للسكان.
III. تطوير أنشطة صناعية ذات صلة بموارد الرعي زراعي، وهذا يكون عبر اعتماد سياسة صناعية تقوم على تثمين الموارد المحلية، وعلى رأسها الموارد الرعي زراعية، كاختيار يضمن الرفع من موارد السكان وتنافسية المنتج. وبالتالي فإن تحديث وسائل تصنيع وتسويق المنتجات الحيوانية، كصناعة الألبان والجلود وغيرها من الصناعات، سيساهم في رفع دخل السكان، وتوفير فرص العمل، والحد من الهجرة، وتدعيم الأمن الغذائي الأردني.
وأخيرا ً وليس آخرا ً، أتمنى من صندوق تنمية البادية الأردنية ومركز بحث وتطوير البادية الأردنية، أن يتبنوا مثل هذه الرؤى، لأنها ستنقل مجال الدراسة إلى نظام سوسيواقتصادي جديد تتغير معه مختلف الميكانيزمات المحددة للتنمية في البادية الأردنية.
د. فيصل المعيوف السرحان
دكتوراه في التخطيط الإقليمي والتنمية
المفرق- سما السرحان
faisal_mayouf@yahoo.com