بعد ان اشغلت بال الجميع ، لم يعد هناك ما يتحدثون عنه سوى \" المصاري \" ، في السوق ، في الشارع ، في العمل ، في الطرقات ، وفي كل مكان ، لا تسمع سوى عبارات على شاكلة ( بدي منه 100 ليرة ، اجاني 500 ليرة ، بدي منه خمسين ليرة من العام ، فكرك في خمس ليرات زيادة السنة والا ما في .. ) ألخ
أهرب من هذه الأحاديث وأشغل نفسي بقراءة الصحف أو بمشاهدة التلفاز ، لأجد نفسي قد هربت الى العمق ، لأقرأ أخبارا مفادها ( عجز الموازنة يتجاوز ال 11 مليار ، عطاء لتزفيت شارع بقيمة 70 الف دينار ، أختلاس في وزارة (...) يتجاوز الاثنين مليون ، سرقة تقدر بخمسين الف دينار ، ...) ألخ .
أخرج اتمشى قليلا ، فأصدف احد المعارف فأظنه للوهلة الأولى يكلم نفسه ، فأراه يعد على اصابعه واحد اثنان ثلاثة ، فاعرف بانه (بحسب) ، ثم يصفن قليلا يضع يده على (حنكه) يغمض عين بينما يترك الأخرى مفتوحة ويرفع حاجبها ثم يصفن مفكرا قليلا ( في ست ليرات وينهن ؟؟) ثم يعود يبتسم ويهز برأسه معلنا تذكره بأنه اشترى فيها بطاقة شحن للخلوي .
أدري بان لقمة العيش صعبة ، والقرش ما بيجي بالساهل ، وأعرف ان جميعنا طول نهاره بحسب ، والالتزامات صعبة ومرهقة ، وأعلم كل العلم بان زمننا أصبح زمنا ماديا .
لكني لا أشك في ان المصاري فعلا جننتنا ، اذ لم نعد نفكر كيف تاتي المصاري ، حلال ام حرام ، بطريق صحيح ام خطأ ، بلف أو بدوران ، لا يهم ، المهم ان تاتي فحسب .
لكن ما خوفي الا ان نصبح عبيدها وان كان البعض قد بات عبدا لها .
المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com