الاعتراف بالخطأ فن لا يتقنه الكثير ويتجنبه الغالب، ونجد كثيرا من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تحث على ضرورة الاعتراف بالخطأ وعلى الفضل الكبير المقرون بالتوبة عن الأخطاء " إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رحيما" بل إن الخطأ في كثير من الأحيان هو المقياس الحقيقي لمدى فعالية مفهوم الصواب لدينا، وهو البوصلة التي ترشدنا في تجاربنا نحو اختيار الصواب ، فلماذا لا نتحرر بداية من قناعة أن الوقوع في الخطأ كبيرة بل إنه من سمات البشرية الطبيعية حتى لا نجد أنفسنا أسرى قناعة الاعتراف بالخطأ هزيمة وضعف شخصية، فعنه عليه أتم الصلاة والتسليم " والذي نفس محمد بيده ، لو لم تخطئوا لجاء الله عزّ وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر الله لهم "، كما "إن خير الخطائين التوابون".
فلماذ يشق علينا كأفراد أو مؤسسات الاعتراف بخطئنا إن كنا فعلا نبتغي رضا الله عزوجل في أعمالنا؟! خاصة إن كان الخطأ متعلقا بحقوق الآخرين ويصعب رد هذه الحقوق الا بالمرور بالخطوة الاولى والتي لايمكن تجاوزها وهي أن نعترف أولا بخطئنا، ثم نأتي إلى الخطوات الأخرى فيما يتعلق بتصويبه، ورد الحقوق إلى أصحابها وعدم الوقوع في الخطأ مرة أخرى.
وهل مر على البشرية مؤسسة أو حزب أو تنظيم أو فرد لم يخطىء؟! وهل هناك حزب أو تنظيم أو مؤسسة مهما كانت أهدافها سامية لم يكن أحد أفرادها متسلقا أو وصوليا أو منافقا؟! من المحال.
وقد روي أن نبي الله يونس عليه السلام عندما لجأ إلى ربه مستغفرا أنه كان يردد اعترافه بالخطأ " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " وعن سيد الثقلين معلمنا أنه كان يدعو: "اللهم اغفر لي خطيئتي وعمدي وجهلي وإسرافي في أمري وكل ذلك عندي" فالاعتراف بالخطأ ثقافة الشجعان، لذا فلنراجع أنفسنا جميعا كأفراد ومؤسسات ولنعترف بجرأة بأخطائنا ونعمل على تصويبها، فلا يعيب مؤسسة أو حزبا أو تنظيما أن يكون بين أفراده مخطئ، ولكن يعيب هذه المؤسسة والحزب والتنظيم أن تتستر وتتجاهل أخطاء أفرادها ظنا منها بذلك أنها تحافظ على سمعتها ومكانتها، وأنها بالاستمرار بإنكار الأخطاء ستختفي هذه الأخطاء وينساها الآخرون، بل هي بذلك تفقد مصداقيتها يوما بعد يوم، وتشجع أمثال هؤلاء على التمادي في الخطأ وتدفع الآخرين في تلك المؤسسة للاقتداء بهم، فمهما أخطأت هناك المبررات الجاهزة والمظلة التي تحميك، وربما تذهب بعض المؤسسات إلى أسوأ من ذلك وهو ترقية ذلك المخطىء لترفع عنه تهمة الخطأ، وكأنما الكراسي أصبحت أداة العصمة، وكأنما المناصب دليل الكمال.
فماذا كلف اعتذار أكيو تويودا رئيس شركة تويوتا اليابانية للسيارات أمام الكونغرس الأمريكي حينما أعرب عن شديد أسفه وتحمله المسؤولية الشخصية عن العطل الفني الذي حصل في ملايين السيارات وأن شركته ستقوم باسترداد كافة تلك السيارات وإصلاحها؟! ربما بالمنظور المادي اعترافه كلفه الملايين لكن بالمقابل اكتسب احترام المستهلكين فمشهد تويودا باكيا في الحفل الذي نظمته له مجموعة وكلائه في واشنطن عقب اعتذاره لا يعكس مفهوم الضعف المتعارف لدينا بقدر ما يعكس تحمّل المسؤولية لديه فحينها قال :" بكيت لأني اعتبرت نفسي خط الدفاع الأول والأخير عن 200 ألف عضو يعملون لدى تويوتا "، فالاعتراف بالخطأ ثقافة والاعتذار عن الخطأ دليل الحضارة وتصحيح الخطأ سبيل الإصلاح والتقدّم .
وكيف يخفى على البعض الضريبة الباهظة التي تقع على المتضررين من رفض المخطئين الاعتراف بأخطائهم وتماديهم فيها، ففي النهاية لابد من وجود من يتحمل الخطأ ولا تعجب من زمان الرجال حينما كان تحمّل مسؤولية الأخطاء هاجس الأتقياء وسمة الشرفاء فقد روي عن
عمر رضي الله عنه أنه قال: لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضياعاً لخشيت أن يسألني الله عنها، أما اليوم فاالعجب كل العجب ممن ضيعوا المال والحقوق وإن حوسبوا ردوا بالقاء التهم والتخوين وسوء النوايا لكل من يذكرهم بأخطائهم!
المهندسة ناجية حلمي