خيرهم وكفاية شرهم:
بقلم الدكتور محمد فاروق المومني
اثيرت في الاسبوع الماضي تكهنات سياسية مختلفة حول خبر كاذب نشرته وسائل الاعلام وهو يقول: ان السفير الايراني بعمان صرح بان ايران مستعدة لتزويد الاردن باحتياجاته النفطية لمدة ثلاثين عاما بلا مقابل....ثم نشرت بعد يومين تصريحا خطيا للسفير ذاته ينفي ما أذيع على لسانه ويؤكد مجددا استعداد بلادة لعقد مباحاثات مع الاردن لأجل تحقيق شكل من اشكال المقايضة في السلع بين البلدين ......
بعض المتفلسفين بالشأن السياسي ربطوا العرض الايراني برغبة ايران في مساعدة الاردن لأجل التصدي لمشروع الوطن البديل والبعض الاخر زعم انه جاء لأجل نشر التشيع ...وهكذا استمرت الهرطقات والاكاذيب على منوال الخبر نفسه ....ولا أدري ماهو الجانب المغري في العرض الايراني مادام الامر متعلقا بمجرد الإستعداد للتبادل التجاري الذي يصب لصالح ايران ويعزل الاردن بالنتيجة عن محيطه العربي وبعده القومي في أولويات التعامل والتبادل التجاري في الوقت الذي لم تعلن السعودية والعراق عن امتناعهما عن تزويد الاردن باحتاجاته النفطية لقاء مقابل معقول .
ومن قال ان ايران ستساعد الاردن في التصدي لمشروع الوطن البديل ؟ إن العرض الايراني لا يتصل بهذه المسألة من اي وجه كان .ونحن لا نريد الحفاظ على اوطاننا بمساعدة او عطف الفرس او الروم وإنما نحافظ على اوطاننا بحسن الالتزام بالشرف الوطني الذي يقول بان الاوطان لا تدخل ضمن قائمة السلع القابلة للتبادل والتداول ولايستبدلها الشرفاء بالشمس والقمر.
مشكلة الاردن ومتاعب الازمة الاقتصادية والسياسية التي يعيشها لا يمكن ان تحلها ايران ولا كل الكوكب السياسي الذي تدور بفلكة ، وإنما يمكن حلها من الداخل وبقرار سيادي يتعلق بلزوم تطبيق القانون وحسن الالتزام بمبادئ العدالة التي تقتضي لزوم محاسبة الفاسدين بعد ان اقرت الحكومة نفسها باستفحال الفساد ، وان تقوم بمعاقبة المزورين بعد ان اقرت بوقوع التزوير، وان تحاسب المستغلين بعد ان تجاهلت الاستغلال الكبير والتحكم باسعار السلع بشكل مؤذي ومدمر للمواطنين . ولو اقدمت الحكومة على خطوة كهذه لسكت كل الناس حتى لو عادت بهم ظروف المعيشة الى عصر (الكراديش) و (قفة) العجوة.
القول بان الموقف الايراني قد بني على تقدير المواقف السياسية الاردنية التي نأت بنفسها عن التدخل بالشأن السوري او الحث على محاربة ايران ، لا يتفق مع الحقيقة القائلة بأن الاردن كان اول من نبه الى خطر الهلال الشيعي القابل لاجتياح بلادنا، رغم ان هذه التصورات لا تقنعني بتاتا . وإنما جاء العرض لأجل تحقيق المصالح الايرانية المتمثلة بتجنب الدفع بالعملة الصعبة التي لا تتوافر لديهم ولأجل دس اصبع سياسي مدمر في الاردن وإقحامه في أتون النزاع الدائر بين الكتل السياسية المتصارعة في المنطقة وجعل الاردن احدى ساحات الصراع الدموى كما يجري حاليا بسوريا، لاجل ابعاد ساحة الحرب عن حدود بلادهم وتوسيع بقعة الصراع بشكل يحقق ايذاء وارهاقا للمعسكر الاخر الذي لاتنتمي اليه ايران ولكن على حسابنا نحن.....
ونحن لا ننسى ان الايرانيين رغم تبدل عقيدتهم الاساسية من المجوسية الى الاسلام إلا انهم لم يحاربوا احدا في العالم سوى العرب منذ عهد الاسكندر المكدوني حتى اليوم ....ولعل من مصلحتنا اليوم تكرار دعاء عمر بن الخطاب عندما قال بشأنهم : اللهم اجعل بيننا وبينهم بحرا لا يصلون الينا ولا نصلهم منه.... وكما قال آبائنا وأجدادنا خيرهم وكفاية شرهم .