لقد أصبح أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية مورد ينطبق عليه قانون الندرة النسبية الذي تقوم عليه النظرية الاقتصادية أو ما يعرف بالمشكلة الاقتصادية ، وبالتالي يجب أن يطبق عليه قانون الفرصة البديلة والأسئلة الاقتصادية (ماذا ، ولمن ، ومتى) على هذا المورد ، لما لا والعمل هو أهم مورد من عناصر الإنتاج والتنمية في أي دولة ، كما تزداد أهمية هذا المورد إذا تم الحديث عن أعضاء هيئة التدريس الكفؤة والمؤهلة فهنا يزداد هذا المورد ندرة بصورة كبيرة جداً .
الكلام قد يكون غير مفهوم لحد ما ، ولكن بشكل عام تشير التقديرات إلى أن هناك عجز في أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية هذا العام قد يصل إلى 2700 عضو ، منهم 600 في التخصصات الإدارية والاقتصادية ، وهذا العدد مؤهل للزيادة ليصل إلى 6000 في عام 2015 ، ولمواجهة هذا العجز فلا بد الحديث عن الأسباب التي أوصلتنا إلى ذلك الوضع ، لأن الحالة الأردنية هي حالة خاصة في كل شيء حتى في حالة العجز في أعضاء هيئة التدريس .
أثناء مناقشة الموضوع مع الكثير من الأساتذة الأردنيين العاملين في الخارج استطعنا تحديد مجموعة من الأسباب التي يعتقد أنها مسئولة عن توليد العجز في أعضاء هيئة التدريس في الجامعات ، أول وأهم هذه الأسباب أن معدل نمو الطلاب الملتحقين في الجامعات أكبر بكثير من معدل نمو أعضاء هيئة التدريس وهذا يعني أن معدلات الزيادة بينهما غير تناسبية وهذا سيؤدي على المدى البعيد إلى تفاقم الفجوة في قدرة أعضاء هيئة التدريس على مواكبة الزيادة في عدد الطلاب ، ونضيف أيضاً أن هناك الكثير من أعضاء هيئة التدريس قد وصل إلى سن التقاعد دون أن يقابل ذلك دخول إلى سوق الجامعات بنفس النسبة فأنا منذ 20 سنة وأنا أسمع عن ذات الأسماء في الجامعات خاصة في مجال بحثي ودراستي ، ولعل ذلك ناجم عن سياسة الإغلاق التي تطبقها بعض الجامعات الحكومية الكبيرة والقيود على دخول المزيد من أعضاء هيئة التدريس إلى تلك الأقسام ما لم يحققوا المعايير و الشروط الأمثلية أو التعجيزية التي يتطلبها ذلك ، فقد تجد أن رئيس قسم معين قد يكون خريج دولة شرقية أو آسيوية ويشترط لدخول عضو هيئة التدريس أن يكون خريج هارفرد ، وهناك حالات وشواهد كثيرة للأسف ، دون أن يسأل عن المحتوى العملي والخبرات والمؤهلات التي يتمتع بها هذا الخريج .
سبب آخر من الأسباب المهمة التي أدت إلى ذلك هو انخفاض المردود الاقتصادي لوظيفة المدرس الجامعي في جامعاتنا الأردنية ، وهو ما يجعله دائم البحث عن فرص وظيفية في الداخل أو الخارج لتحسين دخله ووضعه الاقتصادي ، وفي ظل التقارب النسبي بين معدلات الأجور بين الجامعات الحكومية والخاصة ، زادت معدلات التسرب إلى الخارج وهي أصبحت من أحد الأسباب المسؤولة عن تحقيق هذا العجز في ظل تطور أعداد الجامعات بشكل ملفت في الدول العربية الشقيقة التي تستقطب أعضاء هيئة التدريس الأردنيين .
أما ضعف الموازنات المالية المتاحة أمام الجامعات أدى إلى تقليل أعداد المبتعثين إلى الخارج خاصة في ظل ارتفاع التكاليف المالية للدراسة في الدول الأوروبية أو أميركا ، والتي يعجز عنها الطالب بجهوده الخاصة أو من مدخراته الشخصية المتواضعة . من أهم ما يمكن وصفه بأنه العلاج قليل التكلفة لهذه المشكلة فهو إغلاق أو تقييد برامج الدكتوراه التي كانت تمنحها بعض الجامعات الحكومية والخاصة في بلادنا ، وحسب تجربتي فإني لم أجد أي فروق كبيرة بينها وبين خريجي الدول الأخرى ، كما أنني لم أجد هذه الفروق أيضاً بين خريجي الجامعات الحكومية والخاصة ، رغم أن هذا الأمر كان في الفترة الماضية سبب مباشر لحد من تسرب الموارد والاحتياطيات المالية إلى الخارج ، وإبقائها ضمن نطاق الدورة الاقتصادية المحلية ، لكن وزارة التعليم العالي لها في ذلك شئون ، وإن كنا مع تجويد نوعية الخريجين من حملة الدكتوراه من جامعتنا ، ولكن ليس إلى الحد الذي يجعل من ذلك معضلة وطنية فيما لو تم إعادة فتح تلك البرامج ، وعلى حد قول أحد الزملاء \" خلي الجامعات السودانية تنتعش \" .
اما السبب الأخير فهو متطلبات الجودة التي تفرضها هيئة الاعتماد الوطنية والتي أصبح تنظر إلى أن وجود أعضاء هيئة تدريس من الجنسية الأردنية كمطلب مهم للحصول على شهادة الاعتماد ، رغم أن هذا العحز يزيد من يزيد من نسبة عضو هيئة التدريس إلى عدد الطلاب ، وبشكل يبعد الكثير من الجامعات البعيدة عن عمان من تحقيق متطلبات اعتماد بعض البرامج الأكاديمية أو فتح التخصصات الجديدة .
لا اعتقد أن الأردن بهذا المستوى من الإمكانات غير قادر على وضع برامج قوية لطلبة الدكتوراه واشتراط كل ما من شأنه تطوير هذه الدرجة لتصبح منافسة وبديلة للشهادات الأجنبية الأخرى الأقل مستوى بكثير منها ، ويكفي أن تلعب وزارة التعليم العالي المعزز للثقة بالجامعات الأردنية بدل أن تكون عامل مقيد ومحدد للتنمية فيها .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
جامعة الخرج
Nsour_2005@yahoo.com