تعددت المقالات في الآونة الأخيرة حول الأزمة المالية العالمية وآثارها والمؤشرات الدالة عى انتهائها أوعدم انتهائها سواء كان ذلك على مستوى العالم أو على مستوى الاقتصاد الأردني , ومن المؤشرات التي تطرق اليها الاقتصاديين والمحللين مؤشر \" ستاندرد أند بورز 500 \" الذي يجب أن يستقر لمدة ثلاثة أشهر على الأقل حتى يدل على انتهاء حالة الخطر للأزمة المالية . كما تتطرق بعضهم الى مؤشر سوق مبيعات السيارات ، أو مؤشر نقص التداولات في أسواق النقد والمال , أو مؤشر نقص السيولة المتداولة لدى الأفراد والمؤسسات والشركات المالية , أو مؤشر انخفاض معدلات الاستهلاك والانفاق والادخار والاستثمار, ومنهم من تطرق الى مؤشر أسعار النفط , أو مؤشر السيولة الحالية في المصارف وتجميد منح القروض للشركات والافراد ,, الخ . فعلى الرغم من أهمية هذه المؤشرات جميعها الأ أنها تختلف من بلد الى أخرى , لهذا فانني أرى أن المؤشر الذي قد تجتمع عليه كافة البلدان هو مؤشر البطالة وتوافر فرص العمل فهو المعيار الأكثر دقة ومصداقية , فعندما يرتفع الطلب على الأيدي العاملة في أي دولة فإن ذلك يؤكد وجود الأعمال والمشاريع والتمويل ورأس المال أيضا، وقبل ذلك السياسات الفعلية المؤثرة في سير عجلة الاقتصاد الوطني لكل دولة .
ان الأزمة المالية العالمية لم تنتهي بعد ولن تنتهي في القريب العاجل و هذا ما يتفق عليه معظم الاقتصاديين . فما يحدث الآن من تحسن وارتفاع في مستوى أداء الأسواق المالية العربية ما هو الا ردة فعل للهبوط القوي الذي اجتاح الأسواق المالية خلال الأزمة , هذا من جانب , من جانب آخر نلاحظ أن الارتفاع الملحوظ في الأسواق المالية العربية ناتج عن تلك الشركات المساهمة التي لاعلاقة لها بالازمة المالية العالمية بشكل مباشر لأن أعمالها واستثماراتها محلية قائمة على نشاطات تجارية حقيقية مبنية على أسس حقيقية وليس كتلك الشركات العالمية التي تقترض المال وتضخم الأرباح بفعل الأدوات والمشتقات المالية .
لعل ما يميز هذه الأزمة عن زميلاتها في السنين الماضية هو سرعة الاتصالات , اذ ساهمت بتقصير الفترة الزمنية التي تستغرقها الدورات الاقتصادية , الا أن الاجراءات التي تم اتخاذها حيال هذه الأزمة أدت بشكل كبير الى محاصرة المرض واعطاء المضاض الحيوي بعد تشخيص الحالة ، ولكن تبقى مرحلة النقاهة , وهي مرحلة حرجة تحتاج الى وقت طويل لاستعادة النشاط الصحي المطلوب والمتوقع !
لهذا فانني أرى أن اعادة الانتعاش للاقتصاد العالمي لا بد أن يأخذ وقتا طويلا حتى تعود للناس ثقتهم وجرأتهم السابقة في الاستثمار والمغامرة والايداع في البنوك , وطالما أن البعض متردد وخائف من عواقب الأمور، فان الاقتصاد العالمي سوف يبقى مكانه , يتقدم خطوة، ويتأخر خطوة .
أما على الصعيد الوطني , فتشير معظم الاحصاءات أن الأردن كان من أقل الدول تضررا وتأثرا بتداعيات الأزمة المالية العالمية – وهذا ناجم عن عدة أسباب منها : محدودية واقتصارية الاستثمارات الأردنية والايداعات المالية في الولايات المتحدة الأمريكية , فالنسبة الكبيرة من هذه الاستثمارات هي اسستثمارت محلية وجزء كبير منها آمنة وليست معرضة للمخاطر , اضافة إلى أن القروض التي تقدمها البنوك الاردنية هي لشركات مرتبطة بالعقود الحكومية ولموظفين حكوميين بمعنى أن تلك القروض مضمونة السداد بمشيئة الله تعالى . هذا من جانب , من جانب آخر وهو السرعة في تنفيذ الاجراءات الوقائية من قبل البنك المركزي والجهات الرسمية ذات العلاقة في مجال السياسة النقدية لحماية الجهاز المصرفي الاردني , بالاضافة طبعا الى الضوابط الرقابية المفروضة على السوق المالي المحلي .
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق – أن التأثيرات الغير مباشرة على الاقتصاد الأردني كان تأثيرها في معظمه ايجابيا , تمثل بانخفاض أسعار النفط والمواد الأساسية الغذائية , بالاضافة الى انخفاض معدلات التضخم بنسبة 7% مع استمرار النمو الاقتصادي بنسبة لا تقل عن 4% , وهذه بلا شك مؤشرات ايجابية , الا أنه لا بد من اتخاذ المزيد من الاجراءات لتحفيز النمو والتخفيف من تداعيات الأزمة المالية العالمية ، وذلك من خلال المساهمة في تنويع قاعدة الاقتصاد الوطني والتركيز على قطاعات اقتصادية جديدة تتمتع فيها المملكة بميزة نسبية ، في مجال السياحة والقطاع الطبي وقطاع التعليم الذي وعلى الرغم من تقدم مستواه ، الا أنه لا يوجد ربط بين مخرجات التعليم وسوق العمل وهذا ما يبرر ارتفاع نسبة البطالة. كما ولا بد من دفع المزيد من رؤوس الأموال المحلية والأجنبية نحو المشروعات الاستثمارية التي تعود بالنفع على الوطن والمواطنين, وذلك من أجل المحاولة السيطرة على أبرز المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الاردني كمشكلة العجز في الموازنة وارتفاع الدين العام .
د| علاء محمد ملوالعين
جامعة الملك سعود
maloain@yahoo.com