وقتل داود جالوت
بقلم / د.سليمان الرطروط
بعد سبعة ليال وثمانية أيام من القصف العنيف للصهاينة وبمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة والموجهة بأحدث ألوان التكنولوجيا العالمية وخاصة الأمريكية منها ،خرجت غزة المحاصرة عربياً ودولياً رافعة الرأس، وشامخة بعزة رجالها وقادتها، واستطاعت أن تفرض احترامها على القاصي والداني، بصمودها وتضحياتها، ورفضها للاحتلال والعبودية.
ولعل أبرز ما نلحظه أن المقاومة بدأت بتسمية تلك العملية الظالمة بحجارة السجيل رداً على تسمية الصهاينة لها بعمود السحاب، ثم ولأول مرة تستخدم المقاومة الطائرات دون طيار، والتي لم يستطع العدو _رغم عظم قدراته_ من اكتشافها، ومما يعلو من شأن تلك الخطوة أن تكون تلك الطائرات بصناعة وبأيد فلسطينية ، وعلى أرض فلسطينية محررةأيضاً.
كما واستطاعت المقاومة أن تضرب بصواريخها عاصمة الصهاينة المسماة تل أبيب، وزرعت الرعب في قلوب الملايين من الصهاينة. ولم تقتصر صواريخ المقاومة على تل أبيب؛ بل تجاوزتها لهرتزليا والقدس وبيت لحم، وغيرها من المغتصبات. وقصفت المقاومة التجمعات العسكرية وجنود الأحتياط،بالإضافة لاستخدام صواريخ أرض جو ، وإسقاط طائرات للعدو بدون طيار، ولطائرة ف 16 وأسر الطيارين، وعلى ما يبدو أن المقاومة ستعلن عن ذلك بعد أن يدفع الصهاينة الثمن بالإفراج عن بعض الأسرى.
كما وأرعبت المقاومة بوارج الصهاينة بصواريخ أرض بحر، ومن الجدير ذكره أن بعض صواريخ المقاومة من الصنع المحلي، بالإضافة لما تستطيع تهريبه من الخارج ، رغم كل العراقيل والمعوقات. وعلى ما يبدو أن سقوط بعض الأنظمة كانت يحمل الخير للمقاومة عسكرياً.
وأما إعلامياً فلم يستطع العدو رغم جبروته وتفوقه المادي إسكات صوت المقاومة وقنواتها الفضائية المسموعة والمرئية، ولا تواصلها الالكتروني، ولكن في المقابل عمدت المقاومة إلى إختراق موجات العدو، ونجحت في إرسال الرسائل الالكترونية لجنوده وضباطه؛ ترهبهم وتحذرهم ، بل ونجحت في تحديد إحداثيات جنوده ومعداته.
ثم ولأول مرة في تاريخ الصراع مع الصهاينة وفي غزة بالذات يتقاطر وزراء الخارجية العرب وغيرهم، ويسبقهم رئيس الوزراء المصري لدعم وتأييد غزة الصمود. وقد نجحت المقاومة في جعل أعمدة الشر الثلاثة: نتنياهو وباراك وليبرمان هم من يستجدي ويطلب وقف إطلاق النار، ولم يستطيعوا الإجابة على أي سؤال في مؤتمرهم الصحفي المهزوم، هذا وقد وافقوا على كل شروط المقاومة دون استثناء، ونجحت المقاومة أيضاً في الجانب السياسي والتفاوضي كنجاحها في الجانب العسكري والإعلامي. وإن كان المؤتمر الصحفي لخالد مشعل والدكتور رمضان عبدالله والذي برز خلاله الاحترام والمودة بين القيادتين، ولكنه كان قبل ذلك بين المجاهدين ميدانياً وعلى أرض المعركة، وبين كل الفصائل المجاهدة، مما يدل على التنسيق والتكامل بين مختلف فصائل المقاومة، ولا يمكن أن نتجاهل إشارة خالد مشعل إلا أن رئيس السلطة التشريعية محمود عباس كان على إطلاع تام بكل تفاصيل مجريات التفاوض، وكل ذلك يشير إلى أننا على أعتاب مرحلة فلسطينية جديدة مبشرة، بالتلاحم والتنسيق، ووحدة الهدف .
ولا يستطيع لأي إمرء منصف وموضوعي إلا أن يسجل إعجابه الشديد بتلك الثلة المؤمنة العزيزة الصامدة، والتي رغم كل الظروف المحيطة استطاعت أن تصل لمرحلة متقدمة من إرهاب العدو والرد عليه، ومن إمتلاكها وتطويرها لقدراتها العسكرية والإعلامية والسياسية، فلم تكن مراحل التهدئة للعب واللهو؛ بل كانت للحشد والاستعداد . ولن تكون الهدنة الحالية إلا كذلك.
أما المشككون في المقاومة وقيادتها فلن يرضيهم أي شيء أبداً، ولكن أشدهم إيلاماً على النفس، من يتشدق بالكلام عن الإسلام ونظرياته، وما يجب أن يفعل وما لايجب، ولكنه في المعركة والقتال لانجد له جندياً واحداً، بل هي بيانات ورقية، وأصبحت بفضل التكنولوجيا الغربية الكافرة إلكترونية، انتظاراً كما يقولون حتى يأتي المهدي المنتظر فيقود الأمة.
وإذا كان القرآن يؤيد ما في التوارة من قتل الفتى الصغير راعي الغنم، داود النبي _ عليه السلام_ بجحارته ومقلاعه لجالوت الجبار المتغطرس، والذي يملك الدروع، والرماح الكبيرة والخوذة المنيعة، والسيف الصارم البتار ، إلا أن داود_ عليه السلام _ المؤيد بنصر الله، يقتل جالوت، فيجعل الله ذلك مثلاً وعبرة لكل ظالم مستكبر، بانتصار المظلوم وبالقوة البسيطة على الظالم الطاغية ذو القوة العظيمة، وكذلك كانت الحال حيث انتصرت حجارة السجيل البسيطة والقليلة في غزة على قوة عمود السحاب العظيمة والظالمة. وستكون تلك المعركة بداية النصر _ إن شاء الله _ وصدق د. محمود الزهار حينما قال مستشهداً بقول رسول بعد الأحزاب: نغزوهم ولا يغزونا.
وصدق الله في قوله: (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) البقرة 251
Sulaiman59@hotmail.com