زاد الاردن الاخباري -
هوامش المناورة امام صانع القرار الأردني اسرائيليا لا تقف بكل تأكيد عند محطة استصدار بيان رسمي من تل ابيب ينفي خطة اعلنتها الصحافة الاسرائيلية وتنطوي على اعتداء مباشر على المصالح الاستراتيجية الاردنية، فعمان عمليا تتحسب لاسوأ الاحتمالات في عهد حكومة بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان واوراقها الرابحة لا تفي بوضوح عند استمطار التوضيحات الاسرائيلية على صعيد الاعلام.
في عمق مؤسسات القرار الاردنية لا يخفي كبار المسؤولين استعداد عمان للذهاب الى اقصى مدى ممكن من السيناريوهات المعاكسة لاتجاهات حكومة تل ابيب اذا تعلق الامر بأي خطوات يمكن ان تمس منطقتين محرمتين بالنسبة للاردنيين، هما القدس والمسجد الاقصى والولاية الاردنية عليهما والحدود مع المملكة المرسمة بموجب اتفاقية وادي عربة عام 94.
وقد قفزت المخاوف الاردنية مجددا خلال الساعات القليلة الماضية بعد التسريبات الاسرائيلية التي تتحدث عن عمليات ترحيل ونقل جماعية للفلسطينيين في الضفة الغربية، الامر الذي اعاد انتاج مخاوف الترانسفير وسط النخبة والى حد ما المؤسسة الاردنية.
وفي اجتماعات مغلقة جدا اقتصرت على نخبة من اركان الحكم والحكومة كانت الرسالة اوضح فيما يخص اي محاولة اسرائيلية لتصعيد خطر الترانسفير لواجهة الحدث الاقليمي، وفي عدة اجتماعات بدا واضحا ان السيناريو الاردني يصل الى مستوى الصدام عسكريا اذا ما تحركت بوصلة الترانسفير الى مسافة قصيرة او طويلة بعد وادي عربة.
عمليا يعتبر الساسة الاردنيون ان اقدام الجانب الاسرائيلي ولاي غرض او تحت اي عنوان على خطوات احادية تنتهي بتحرك او انتقال كتلة بشرية من اهالي الضفة الغربية عملا عدائيا ضدهم، وأحد المصادر المهمة ابلغ "القدس العربي" بأن عمان ابلغت ذلك للرئيس الامريكي اوباما وادارته عدة مرات.
والآن يعتقد ان الجانب الاهم من زيارة الملك عبد الله الثاني الحالية لواشنطن سيركز على تشديد اللهجة الاردنية تجاه حزمة من خطوات اسرائيل الاستفزازية التي عبثت هذه المرة بالصحن الاردني سواء عندما تعلق الامر بتوسيع الاطار الاستيطاني في مدينة القدس او الحفر بجانب وتحت المسجد الاقصى، او سواء تعلق الامر بخيارات من يوصفون في مواقع القرار الاردنية بتعبير "مجانين تل ابيب" الذين يتحدثون عن اقامة الوطن الفلسطيني في الضفة الغربية لنهر الاردن.
وليس سرا في السياق ان العلاقات الاسرائيلية - الاردنية في عهد نتنياهو اسوأ من باردة بل عدائية في بعض الاحيان، وعمان بدأت ترتاب بكل الخطوات الاسرائيلية وتمتنع عن التعاون مع الجانب الاسرائيلي في بعض القضايا المفصلية خصوصا وان تصريحات بعض اركان اسرائيل تسبب ضغطا هائلا على ثقافة السلام في الساحة الاردنية وتنتج عنها توترات نخبوية وسياسية وجدلية تشغل الحكومة وصناع القرار.
ومن هنا يمكن القول ان الناطق الرسمي الاردني نبيل الشريف عندما تطوع لنقل تصريح الحكومة الاسرائيلية حول حالات ترحيل جماعية لفلسطينيي الضفة الغربية لم يقصد اكثر من تسطيح تسريبات الصحافة الاسرائيلية حول الامر بلسان اسرائيلي فطوال يومي الاحد والاثنين انشغلت السفارة الاردنية في تل ابيب وطاقم الخارجية في عمان بهذه التسريبات بعد اقرار خطوة الرد التكتيكية على اساس اجبار الاسرائيليين على نفي ما تسربه صحافتهم.
لكن المشهد برأي مراقبين سياسيين يفترض ان لا يقف عند هذه الحدود فالمؤسسة الاردنية تبدو منغمسة في ورش عمل تكتيكية واستراتيجية تستهدف ليس فقط التصدي لعبث الاسرائيليين في عملية السلام التي اسس الاردنيون معظم خططهم الاقليمية والاقتصادية على قاعدتها، ولكنها تستهدف ايضا وفي حالة حرجة وصلت لها اتفاقية وادي عربة الدفاع عن المصالح الاساسية والعليا للدولة الاردنية التي تحاول توجهات حكومة نتنياهو المساس بها.
وهنا ايضا يلمس الساسة تهامسا عن باقة من الخطوات الاردنية الاحتياطية والاوراق التي تستخدم في سياق معركة حقيقية خلف الكواليس عنوانها الاخطار التي شكلها الخطاب الاسرائيلي على الاردنيين والفلسطنيين معا، فقد توارى تماما عن الانظار انصار اتفاقية وادي عربة وتعليقات الصحافة الاسرائيلية تثير اجواء مشحونة داخل المجتمع الاردني تستدعي احتياطي الدفاع عن الذات وتهدد في بعض التفاصيل استقرار المجتمع.
بنفس الوقت العلاقات الرسمية شبه مقطوعة في عهد نتنياهو والسفير الاردني في تل ابيب علي العايد يعمل في حقل الغام عدائي عندما يتعامل مع الكثير من التفاصيل اليومية لعمله، اما وزارة الخارجية فكرست فريقا متكاملا من خبرائها مهمته ملاحقة وتحليل سلسلة من الخطوات والتصريحات الاسرائيلية العدائية واحيانا التآمرية ولا يوجد تنسيق رسمي في بعض المفاصل كما كان يحصل في الماضي ولا مجال لتداول وتداور الوفود.
بسام البدارين / القدس العربي