غياب الدوافع السياسية يؤكد أن ثمة شيء جديد بدأ يغذي دوافع العنف داخل الجامعات بعيدا عن المبررات السياسية، فالمتابع لطبيعة التفاعل الاجتماعي داخل الجامعات كان دائما ما يطفو على السطح السبب الاجتماعي والعشائري باعتباره كان يجد ما يبرره في فترات سابقة ولاحقة يأتي على رأسها طبيعة تكوين النظام الاجتماعي، وغياب ثقافة قبول الآخر وأصبحت الجامعات تسبح في برك من الدماء يغذيها السكين و الذي أصبح بديلا للقلم وحتى الأدبيات تغيرت فصارت الهتافات والتصرفات وردود الفعل همجية تدنس سمعة وطنية لطالما تحلت بها جامعاتنا العريقة لتمتد هذه الهتافات إلى خارج أسوار الجامعات نحو المدن والقرى التي طالما عرف عنها من انتماءات وطنية وأخلاقيات حقيقة ولا تعرف للجهل والهمجية طريق وللأسف لتصبح هي ما يغذي ثقافة الصراع.
الجامعات الأردنية والتي هي ساحات للعلم والمعرفة تعني للشاب وذويه طريق الحياة نحو التدرج العلمي لتحقيق طوحات الإفراد من مختلف الأصول والمنابت ولكن ما نشاهده مؤخرا بان جامعاتنا أصبحت ساحات للعنف والصراع والاقتتال أو حتى الموت ولأسباب تعد تافهة، الجامعات لا تنفصل عن الواقع الاجتماعي العام السائد فتتعامل معه وتؤثر فيه تأثيرا يجب أن يكون ايجابيا. تتداخل الأسباب وتتشابك المسوغات فما بين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أو حتى تلك التي تتعلق بدور الجامعة، باعتبارها وسيلة للتعلم ورفد المجتمع بكوادر قادرة على قيادته نحو بر الأمان والاطمئنان، ألا أن الصورة تبدو مغايرة تماما لما هو مأمول ومرجو.
العنف في الجامعات خط احمر لا يمكن التساهل فيه والبحث في أسبابه ومسوغاته لما له من خطورة على المجتمع سبيل لا مفر منه فقد خلصت بعض الدراسات إلى أسباب اجتماعية وطلابية وعشائرية ولم تتجه نحو أسباب هزلية في أن المسألة هي ظواهر فردية يجب التعامل معها في هذا الإطار .
حيث أن الأسباب تنطلق في الأساس من جوانب نفسية وقد يكون مرتكبها مصاباً بمرض البرنويا وهي ما يحدد تصرفاته في تعامله مع الآخرين والتي تتخذ طابع العنف دائما في سعيه لحسم الأشياء، ولا نهمل جانباً مهماً وهو جانب الضغوط التي يجد الفرد نفسه في مواجهتها في ظل الواقع السائد، وهذه الضغوط دائما ما تدفعه للتهور في التعامل مع محيطه خصوصا مجتمع الرفاق والزملاء وارى أن عاملاً آخر هو عامل السن بالنسبة للطلاب وهي سن المراهقة ترتبط بنظرة عدائية تجاه المجتمع من حولهم فلابد من دراسة الظاهرة دراسة مستفيضة تشخص الأسباب وتضع الحلول.
وأن مسألة العنف دائما ما ترتبط بنقطة محورية هي نقطة الانتقال وترتبط بالتحديث الاجتماعي والذي يتلاءم مع العنف بتعدد إشكاله النفسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتحديث يحفز الإفراد للقيام بأشياء يعتقدون أنهم مؤهلون للقيام بها إلا أن ردة الفعل عكسية عند الفشل في ذلك وهو ما يسمى بالإحباط وخيبة التوقعات، حيث يأتي الفرد للجامعة وهو يتوقع تحقيق كل طموحاته من عمل وزواج إلا أن الواقع الحقيقي يصدمه فيتجه نحو العنف والإحباط هو ما يقود للعنف ويكون الشخص أكثر ميلا لذلك ويعبر عن ذلك بشكل فردي أو جماعي لأسباب مختلفة، كما أن طبيعة التكوين الاجتماعي تغذي العنف الجمعي حيث أن المحبط كثيرا ما يتجه نحو الانتماء للجماعات المتشرذمة هنا وهناك ودون قناعات منه آلا انه وجد فيها بيئة خصبة لتعبير عن ميوله ورغباته ، كما أن عملية التحول نحو التحديث يتبعها تغيير قيمي وبالتالي يحدث اختلال في مسألة الضبط الاجتماعي وهي مسألة تمر بها كل دول العالم. ومسألة العنف في الجامعات لا يمكن فصلها عن الواقع الاجتماعي عموما .
فان سبب الكسل الأكاديمي داخل الجامعات هو واحد من العوامل المؤثرة ومسألة الكسل الأكاديمي تتوافق ومسألة أخرى هي غياب الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية داخل الجامعات وهذا لا يعني غياب الظروف الاقتصادية الملائمة فمعظم طلاب الجامعات يعولون على أنفسهم مما يولد إسقاطات نفسية لدى الفرد، ومن جانب آخر نجد أن معظم الجامعات تعاني من غياب المرشد النفسي بالرغم من أهميته وبالتالي يتجه الطالب نحو مرشد آخر في نفس سنه ومسألة تبرير غياب وحدات الإرشاد النفسي والاجتماعي لضعف الميزانيات ليست لها ما يبررها وعلى المسؤولين اتخاذ الخطوات التي من شأنها القضاء على هذه الظاهرة قبل استفحالها والمعالجات يجب أن تتم في إطار المعالجات الاجتماعية العامة وفي داخل الجامعات يجب تجاوز مسألة الكسل العام وتوفير أنشطة ثقافية واجتماعية لتفريغ شحنات الطلاب حتى لا يضطروا لتفريغها في استخدام أساليب العنف، كما أن استعداد الجامعات للتعامل مع كل حاجات الطلاب بما فيها حاجاتهم النفسية من شأنه أن يساهم في معالجة الظاهرة.
ظاهرة العنف في الجامعات الأردنية بتعدد أسبابها وتشابكها ما بين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي أو حتى تلك المتعلقة بالواقع السائد داخل أروقة الجامعات تحتاج للتعاطي معها وفق واقع جديد يحاول وضع متاريس أمام ظاهرة الموت في الداخليات وداخل ردهات القاعات وباستخدام أسرع الوسائل وأكثرها فاعلية حفاظا على الوطن ومقدراته .