بات الأنين والصبر على شدة الألم ، من صفات العديد من الأسر الأردنية التي تغفوا باكراً لتوفير وجبة المساء \" العشاء \" وكما يقولون \" الصباح رباح \" هي مقولة يراد منها التأجيل على أمل ما قد يوفره صباح اليوم التالي ..!!
إن سمة ضيق اليد وضيق الحال باتت تَكْسُ وجوه الكثير من الناس ، تجدهم على الأغلب في حالة ثوران أو غضب أو استنفار ، حتى وصل الأمر لديهم كما يقولون \" اضربه على خشمة بيفقع \" نتيجة تراكم المتطلبات الضرورية \" لا الكمالية \" لأسرهم ، غير قادرين على توفير الحدود الدنيا منها ، ليتفاجأ أحدهم عندما يذهب إلى البقال أو السوبر ماركت \" ناهيك عن المولات \" التي ليست لهم ، يجد أن أسعار الأمس قد ولت وارتفعت فجأة لتتضاعف بين ليلة وضحاها .. فيثور هذا المواطن كثورة بركان ساكن في وجه البائع ، وكأنه كمن كان نائماً مع أهل الكهف الذين وجدوا أنهم بدنيا غير الدنيا بعد أن فاقوا من غفوتهم ..!!
إن توصيف الوجع الشعبي لم يعد له شكلاً أو مضموناً ، إلاّ هؤلاء الذين يشدون الأحزمة على البطون ويملأون القدور بالماء كنوع من الإيحاء بأن \" الطعام \" بات بين قوسين أو أدنى من بين فكيهم اللتان لم تعلما كيف يُمضغ الطعام ، بل تعودت على إحتساء القليل من \" الشوربات \" الممزوجة بما لذ وطاب من \" وجع الفقر \" ..!!
نحن نعلم أن هناك أناس من الغير قادرين يلهثون وراء ما لا يستطيعون توفيره ، وذلك من أجل التشابه مع هؤلاء القادرين ، ولكن يجب علينا نحن كمواطنين عدم اللهث وراء أصناف الأغذية التي هي ليست لنا ، ولم نتعود عليها أبداً ، ونتشابه بغيرنا ممن هم ليسوا منا ، دون معرفتنا لهذه الأغذية لا من حيث الشكل أو حتى المذاق ، ولا ننكر نحن كمواطنين أنه من أطباعنا السيئة إننا نلهث وراء السلع تلك بازدياد وبشراهة كلما زاد طمع \" حيتانها\" ورفعوا أسعارها والذين دائماً يبررون ذلك \" بالعرض والطلب \" ..!!
فلما لا نلجأ إلى البدائل في استهلاكنا اليومي \" للكماليات من الأغذية \" نستبدل ما هو أقل سعراً ونترك ذاك الغالي لأهله إلى أن لا يجد طريقاً لتسويقه ليتحول إلى سلعة قابلة للشراء حسب قدراتنا المالية ..!!
أذكر في عام 1979 م وبينما كنت في زيارة إلى المملكة المتحدة \" لندن \" ، فاجئني خبر وعبر الصحف اليومية البريطانية ، كان مفاده أن مادة الدجاج كانت قد ارتفعت أسعارها قبل مدة وجيزة ، ولم يكن من الشعب الانجليزي وتحديداً الجمعيات النسائية ، إلاّ أن اتخذت قراراً فيما بينها بعدم طبخ الدجاج في المنازل لمدة شهر ، أي بمعنى كانت مقاطعة محدودة لنوع معين وهو \" الدجاج \" ومدة زمنية محددة وهي \" شهر \" .. والذي حصل إثر هذه المقاطعة ، كساد في تصريف مادة الدجاج بصورة ملحوظة لدى الموزعين وتكديسها ، مما أدى إلى إتلافها لاحقاً لعدم صلاحيتها للاستهلاك البشري وتكبدهم خسائر فادحة أدت إلى إعادة تخفيض أسعار الدجاج إلى أقل مما كان عليه قبل رفع السعر ..!!
هذا الأسلوب من إدارة شهواتنا \" الغذائية \" في الأزمات الاقتصادية ، ما هو إلاّ أسلوب ناجع في التوفير المادي وخاصة في مثل هذه الظروف القاسية التي نعيشها اليوم ، وفي نفس الوقت إعطاء الإشارة الحمراء لهؤلاء التجار الذين امتازوا باختلاق الأزمات واستغلالها بصورة جشعة وعدم السماح لهم بالمرور على حساب من لا يحسب له حساب مع البشرية ، لأن هؤلاء لا يضيرهم أحداً سوى ملئ جيوبهم وبطونهم الجرّباء من قوت هذا الشعب الذي أصبح أغلبه يعيش تحت خط الفقر جراء تصرفات وأطماع هؤلاء الذين باعوا الضمير الإنساني ..!!
فلنبقي دائماً الإشارة الحمراء مضيئة في وجه هؤلاء ، أصحاب البطون الجرباء ، كوسيلة رفض لتصرفاتهم وجشعهم ، ونزرع إشارة خضراء لهؤلاء الذين يشدون الأحزمة على البطون كنوع من إعطاء الأمل لهم ولو بحدوده الدنيا من العيش بهذه الحياة ..!!
akoursalem@yahoo.com م . سالم أحمد عكور