اللغة ضرورية للتواصل مع الناس، وقد كانت معنا ريم النص ألمانية، وكونها نص ألمانية لم تكن تحتاج لدراسة سنة لغة مثلنا إحنا الأربعة. وفي محطة القطار إفترقنا، هي شرّقت لدرسدن Dresden وإحنا بقينا في ليبزج Leipzig، لتبدأ مغامراتنا مع اللغة الألمانية وهذه المرة بدون مساعد.
الألمان مُنظمين وكانوا قد حجزوا لنا في سكن طُلاب وأعطونا عنوانه، والمشكلة كيف بدنا نصل لهناك. يا أخي، تبين بأن هناك وسائط نقل كثيرة في العالم لم أكن أعرف منها إلا سرفيس خط تسعة بعمّان. كان هناك قطار مثل اللي ركبناه من برلين ولكن على أصغر، وكل ما نسأل عن عنوان السكن بتسمع نفس الجواب: شتراسنبان ..
شتراسنبان، وهذول الألمان ما بيحكو إنجليزي ولا فرجيناهم شطارتنا باللغة، ما إحنا كنّا حافظين قصة حول العالم بثمانين يوم عن ظهر قلب، وبتعرف يا جبر ماهو موضوعها سفر بسفر. أخيرا ركبنا المدعو شتراسنبان وكان يتلوى مثل الأفعى ويتوقف في محطات متعددة. تعاونّا جميعاً على عد المحطات حسب آخر وصف سمعناه من طالب أجنبي كان يركب الشتراسنبان، وحتى لا أضيعكم في اللغة سوف أكشف لكم عن التسمية الطويلة هذه.
هذول الألمان دقيقين وعمليين وبيسموا الأشياء بأسمائها، فالقطار الخفيف هذا، يمشي على سكة مثلة مِثل القطار الثقيل اللي ركبناه من برلين إلى ليبزج.
والسِكة موجودة في منتصف الشارع أو إلى جانبه، ومن هنا أتت التسمية، لأن شتراسه بالألمانية تعني شارع، بان تعني قطار، وبهذا يكون جمعهما شتراسنبان ومعناه (قطار الشارع). في الأردن، بنحاول تطبيق هذا المشروع من زمان وإسمه عندنا (القطار الخفيف) وبيخفّ عقلنا لما بنسمع بإسمه. في الأردن عدلوا على فكرة المشروع وإستبدلوا القطار الخفيف بالباص السريع وأخذوا نصف شارع الجامعة لحضرته، بينما في ألمانيا يتشارك الجميع بالشارع فالسكة على منسوب الزفتة ليستعمل الشارع كل من القطار والباص والسيارة والدراجة والبسكليت كمان.
وصل الخفيف، أقصد القطار الخفيف رقم 21 إلى محطة فيليب روزنتال (فنان ومنتج بورسولان عالي الجودة معروفة باسم روزنتال) ومن ثم سرنا مشياً على الأقدام إلى شارع 18 أكتوبر. ألديهم أسماء شوارع مثل عندنا، 25 يناير وستة أكتوبر، سألني جبر.
يا جبر يا عزيزي، طبعاً عندهم والأوروبيين عانوا كثيرا من الحروب، وتعود تسمية هذا الشارع إلى المذبحة الشعبية التي تمت فيه بين (16-19) أكتوبر عام 1813 والتي كانت بمثابة المعركة الفاصلة في حرب التحرير، حيث حاربت القوات المتحالفة لكل من النمسا وبروسيا وروسيا القيصرية والسويد ضد القيصر نابوليون بونابرت الذي كانت قواته تحتل أجزاء كبيرة من ألمانيا، مع العلم بأن كثيراً من الولايات الألمانية وقفت على الحياد، لا بل أن بعضها وقف مع المحتل ضد بلده. وقد مات في هذه المعركة حوالي خمسين ألف من الحلفاء مقابل ثمانية وثلاثين ألف من الفرنسيين. كانت مجزرة بكل المعاني لدرجة أدى إنتشار الجثث لتفشي مرض التفوئيد وموت العديد من سكان مدينة ليبزج.
ضيعتني يا رجل، وين كنّا ... أه صحيح، دخلنا السكن نحمل حقائبنا، بشار من الكرك كانت حقيبته صغيرة، والشركسي كان منظم وجايب كل شيء معه، والمومني كان مصيّف ولكن بجاكيت جلد من الزرقاء. وزّعونا على الغرف وطلع نصيبي مع شاب فلسطيني من الكويت وكان همه الأكبر لصق بوسترات الثورة على الجدران، مع إحترامي الشديد للشهداء ولكنك بتمسي على شهداء عملية ترشيحا وبتصبّح على صور منفذي عملية معالوت.
والله أيام لا تنسى وكان بطلها الشتراسنبان الذي يقف في محطات محددة وتستطيع أن تضبط ساعتك على مواعيده، والمرة الوحيدة التي توقف فيها فجأة بدون موعد كانت على أصبع أردني حيث ضغطت أنا على زر التوقف الإضطراري، مع أنه كبير وأحمر وغاطس، بدلاً من الضغط على زر الباب الصغير الأخضر فصار اللي صار وتوقف القطار الخفيف فجأة وتدحرج الناس بينما إطلقنا نحن أرجلنا للريح وهربنا ... بتعرف يا جبر كنّا خير سفراء لبلادنا ولكنا معذورين بدون خبرة وليس لدينا بالاردن قطار خفيف وأتمنى أن يركبه أحفادنا في عمّان يوماً ما لكي لا يعملوا عملتي.