"زمزم" لما شرب له !!
د.بسام البطوش
كل من يعرف تفاصيل المشهد الاخواني الداخلي ، يتفهم البيئة الفكرية والنفسية التي أنتجت المبادرة “زمزم” . فالمشهد الاخواني الداخلي يموج بتفاعلات تتراوح بين متضادات كثيرة . و يعجب المرء كيف تستطيع الجماعة احتواء المتناقضات والمتضادات هذه كلها تحت سقف الحرص على وحدة الجماعة . تذكرنا هذه المبادرة بأن قطاعا واسعا من الكوادر والقيادات تحدث منذ عقود همسا وعلنا عن أهمية ترتيب الأولويات الاخوانية لجهة منح الشأن الوطني الأردني ما يستحقه من إهتمام،و كانت النتيجة مزيدا من قرارات الفصل والخروج .
جيد أن تتماسك الجماعة ،وليس من المصلحة أن تنقسم فيتلاشى التيار المعتدل ،أما الغلاة فسيمضون في غلوهم إلى أقصى الحدود ؛ وسنواجه حينها فلتانا تنظيميا يودي بمئات الشباب في مهاوي التطرف والتكفير والعنف .
ما نقل على ألسنة رموز المبادرة يفيد بأنهم وهم يقرّون بضرورة التفلت من القيود التنظيمية الصارمة ،يؤكدون حرصهم على البقاء في كنف الجماعة ،ويعترفون بأن الفكرة أكبر من التنظيم ،وأن الضرورة تقضي بشيء من المرونة والحرية في العمل . وفي المقابل فإن الجماعة عمدت إلى التحذير من التعاطي مع المبادرة إخوانيا ؛لكن الجماعة لم تذهب بعيدا إلى حد ممارسة عادتها في فصل كل من ينبس ببنت شفه أو يحدث أمرا غير ما أحدثته قرارات التنظيم الصارمة.لكن المشهد بطبيعة الحال مفتوح مستقبلا على الاحتمالات والتطورات كلها.
العبرة هنا في البواطن والمآلات وليس في المعلنات والطموحات؛ فالمبادرة تسعى إلى خلق إطار مرن يتيح لأعضائها العمل السياسي والثقافي والمجتمعي ،وتدعو إلى تعزيز قواسم مشتركة مع حلفاء وشركاء جدد لا يرغبون في العمل التنظيمي في إطار الجماعة وحزبها، لكنهم يجتمعون معها على مشتركات كثيرة ،هذا ما يفهم من تصريحات رموز المبادرة (غرايبه،والكوفحي،والمجالي) . لكن تجربة جبهة العمل الإسلامي تذكرنا بالأحلام الكبيرة في الانفتاح والتعددية وبناء جبهة واسعة مرنة بعيدا عن محددات التنظيم وقيوده ،أما النتائج فكانت صفرا كبيرا إذ تحولت الجبهة إلى مجرد ذراع تنظيمي مغلق ومنغلق للجماعة، وما يخشاه المراقبون أن تكون تجربة المبادرة هي إعادة إنتاج لتجربة الجبهة .
التسييس المفرط والأدلجة العقيمة كفيلان بقتل كل المبادرات ،لاسيما أن رموز المبادرة هم من رموز الملكية الدستورية ،وهذا قادهم إلى مناوشات داخل التنظيم ،وأثار شكوك الرأي العام الوطني حول مدى وعيهم على محددات الحياة السياسية في الأردن،وهذا ما يمكن أن يلقي بظلاله على المبادرة .
الملفت هو دعوة المبادرة إلى حماية هيبة الدولة ،وهنا نلمس وعيا على خطورة بعض الممارسات والأفكار المطروحة في الشارع الأردني ،وما أنتجته من مخاوف حقيقية تمسّ هيبة الدولة ؛لكننا لن نغفل عن الجلد المتواصل للدولة وتشويه كل جميل في بنيتها ومنجزها والتمادي في الخطاب الانفعالي التشكيكي من بعض الرموز ،مما يجعلنا أمام إحدى حالتين إما أنهم في حالة مراجعة للموقف والخطاب،وهذا ما نتمناه ،وإما أننا أمام محاولة لخلط الأوراق والبقاء في المربع ذاته مع السعي لرفع منسوب الحشد في ذاك المربع ،والتساؤل منطقي ومشروع حول التوقيت ودلالات اللحظة السياسية الحرجة !!
وبمعزل عن البحث في النوايا فإن كل محب للأردن يرجو أن يكون للمبادرة نصيب من خيرية الاسم الإعلامي الذي أطلق عليها "زمزم"،وأن تشكل إضافة إيجابية للمشهد الوطني العام . ولنا أن نتذكر الحديث النبوي الشريف الذي حسّنه البعض "ماء زمزم لما شرب له " فندعو الله أن تكون النوايا السليمة بوابة للعمل الراشد المثمر لخير الأردن الوطن والدولة والمستقبل .