تنمية المحافظات والربيع الأردني
د. بسّام البطوش
جاء الربيع الأردني ليؤكد أننا أضعنا وقتا ثمينا في الحديث عن نوايا لتنمية المحافظات ،مجرد حديث ومجرد نوايا ،وتأكد لنا بالملموس أن الأردنيين لا يجاملون ،ولا يبيعون ولا يشترون في الشأن الوطني ،ولا يسمسرون على وطنهم ،لكن صدقيتهم الفطرية تدفعهم للصراخ عاليا :نحن هنا ،مللنا الفقر والبطالة في محافظاتنا .
كيف لمتقاعد أن يرحل من المحافظات إلى عمان ليعمل حارسا بثلاثمائة دينار أو أقل بكثير ،كيف له أن يعيش؟ وكيف نجيب على السؤال الاشكالي ؟ لماذا لم تتوفر له فرصة عمل هناك بين أهله ؟!!
كيف لأي كان أن يتحدث مع شاب تخرج في الجامعة في تخصصات المال والأعمال قبل سنوات وما زال يذرع الشوارع بحثا عن الأمل الموعود؟ كيف له أن يحاجج فتاة تخرجت في الجامعة تحمل درجة البكالوريوس في اللغة الانجليزية ، وبكالوريوس آخر في اللغة العربية ولها سنوات زادت عن العقد تنتظر دورها في التعيين ! كيف لخريجة الماجستير بامتياز أن تقيم الوضع العام وهي تجلس عقدا من الدهر في بيتها تنتظر فرصة في التعيين في مدرسة أساسية نائية في أطراف العالم؟
قد يقول قائل :لماذا ينتظرون التعيينات الحكومية ؟لماذا لا يعملون في القطاع الخاص؟ لكن ، أين هو القطاع الخاص في الكرك والطفيله ومعان والمفرق والقويره والاغوار وذيبان وفي البوادي والأرياف وفي الشمال والجنوب وفي كل الأطراف ؟وقد يقول أحد المترفين : لماذا لا ينشئون مشروعاتهم الخاصة ؟
لنأخذ مثالا محافظة الكرك التي يغبطها تقرير رويترز بأنها ذات حظوة ،وأن أعدادا من أبنائها تقلدوا مواقع متقدمة في العمل الرسمي وأجهزة الدولة ،فما هي المشاريع التنموية المنتجة لفرص عمل حقيقية التي أقيمت في الكرك بخلاف جامعة مؤته وقد وصلت حد الاشباع في التعيينات منذ عقد ونصف ،أو المدينة الصناعية التي أنتجت عددا محدودا من فرص العمل ،و لا جديد . أما المشاريع القائمة على الصناعات الاستخراجية ،كالبوتاس والفوسفات فقد تم خصخصتها، وتوقف التعيين فيها منذ أمد بعيد ،وليس لديها أي إحساس حقيقي بالمسؤولية الاجتماعية حيال المجتمع المحلي المحيط بها والمتطلع لدورها التنموي .
السؤال المنطقي :أين يذهب الشباب ؟ما ذا يفعلون؟من سيتولى الرد على تساؤلاتهم؟من يستطيع بث الطمأنينة والأمل والرجاء في قلوبهم وعقولهم البريئة ؟من يحاول الاستثمار في أوجاعهم؟ من يعبث بألآمهم؟ من يرقص على جراحهم؟ من يوجه تفكيرهم نحو البناء أو الهدم؟ من يحركهم ؟ من يكسب ثقتهم؟ من يلامس إحتياجاتهم؟ من يعنى بمحاورتهم؟ من يأبه بهم ؟ من يشعر بوجودهم؟من يوجه برامجه الارشادية والتثقيفية والتدريبية والتأهيلية نحوهم؟من يجلب التمويل الأجنبي من ردهات الفنادق في عمان إلى حيث هم ،إلى حيث يحتاجون، من يوجه شباب الاحتجاجات والحراكات ؟ومن يقدر على محاورتهم وجها لوجه ؟من يقدر أن يدافع عن مشروعية الاقصاء والتهميش الذي يعيشونه واقعا لا افتراضا ؟
أرجو أن الدولة اكتشفت ولو متأخرة أن تعزيز منظومة الولاء والانتماء بحاجة لعمل حقيقي وواقعي بعيدا عن التنظير والفزعة والعواطف والتحشيد الغرائزي ،فمنظومة وطنية للولاء والانتماء محترمة تعني ابتداء إحترام العقل والكرامة و تعني الاجابة على التساؤلات كلها كبيرها وصغيرها . ليس مقبولا ،ولم يكن متخيلا،أن تتحول المنابع الاجتماعية التقليدية والتاريخية للولاء والانتماء إلى منابع للمعارضة الجذرية . ليس مقبولا ولا مستساغا وليس في مصلحة الدولة أن تغض الطرف عن مراجعات حقيقية ومعمقة وجريئة وسريعة للوقوف على أسباب الظاهرة ونتائجها وسبل الخروج من آثارها المدمرة . وفي مقدمة المفاتيح لهذه الدراسة فتح ملفات التنمية في المحافظات .