غريباً أمر الأمير، فتارة يريد تنخيل المشاركين بالحراكات الشعبية، وعلى فرض حسن النية، فهو يريد أن يوضح حقيقة كل منهم، على اعتبار أن الأمير صاحب خبرة كبيرة ومعرفة واسعة بالشعب الأردني، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها.
ثم ينادي الأمير من ارض فلسطين، ويقول إنها أراضي أردنية محتلة، وبافتراض حسن النية، إنها أراضي ضاعت على العرب فترة خضوعها للحكم الهاشمي من قبل إسرائيل، وان الواجب علينا استعادتها بالقدرات الأردنية، ثم ترك الأمر لأهلها ليقرروا مصيرهم بعدها، سواء بالبقاء في اتحاد مع المملكة تحت الحكم الهاشمي، أو الاستقلال بدولة مستقلة، ولكن هنا سؤال! وهو ماذا مطلوب من القيادات الفلسطينية بمختلف أطيافها عملة، فترة تولي الأردن زمام الأمور، لأحياء مثل هذا الرأي المدفون في طيات التاريخ من عقود مضت؟.
ثم يظهر الأمير في احتفالية لجمع التبرعات لإسرائيل، وبافتراض حسن النية، أن موقف الأمير موقف فردي، أو عفوي، لا يجب أن يحسب عليه، ولا يجب على الناس التأويل وتحميل الأمور أكثر مما تحتمل، والأمر ببساطة لم يكن أكثر من مصادفة، وسوء فهم، تم استغلاله إعلاميا لتشويه صورة الأمير.
ثم يأتي الأمير ويقول إن الشباب العربي بلغ سن الرشد السياسي، وان الحِراكات الشعبية أعادت للعرب تقديرهم لذاتهم، وان الحراك الشعبي والشبابي وما نجم عنه، فاجأ الكثيرين من المراقبين عربياً ودولياً، وقال سموه 'يجب أن نكون راغبين في صنع مستقبلنا، فان لم نصنع التغيير بأنفسنا، وبما ينسجم مع قيمنا وثقافتنا وثوابتنا الوطنية والقومية والدينية والحضارية، فسوف يصنعه الآخرون لنا وفقاً لقيمهم وثقافتهم ومصالحهم'، وبافتراض حسن النية، أن الأمير يريد من كل هذه الدورة أن يوصل للشباب رسالة بأنهم أدوات التغيير في المجتمع، في حال أنهم كانوا على قدر من المسؤولية والعقلانية في التعاطي مع الواقع، فإذا كان الأمر على هذا الحال، فهل اكتشف الأمير الآن أن الحراكات الشبابية لم تعد تحت سيطرة الحكومات، وان هذه الحكومات تعجز أيضا عن تخفيف حدتها، سيما وان الفترة التي خرجت بها كلمات سمو الأمير، رافقتها حركات احتجاجية على الحكومة لتوفير فرص عمل للمتعطلين من الشباب، وخصوصا في جنوب المملكة، التي هي الموطن الرئيسي للفقر والبطالة، للغياب الطويل للمشاريع التنموية فيها، وللإهمال المتكرر لها من قبل الحكومات المتعاقبة، سواء في الفترة التي كان سموه فيها صاحب قرار، أو الفترة التي تلت.
سمو الأمير لم يعد لدينا معطيات كثيرة لنفترض فيها حسن النية لكل ما يدور حولنا، فالشباب بحاجة للعمل، وبحاجة للمال، ليتمكنوا من تغطية تكاليف المعيشة، وليتمكنوا من بناء مستقبلهم، فها هم يلبسون الأكفان ويخرجون محتجين في ظاهرة جديدة، تخلط بين الإدراك والفوضى، فلم يعد الشباب اليوم يصفق للكلام الجميل الذي ينسجم مع الأحلام الوردية.
kayedrkibat@gmail.com