زاد الاردن الاخباري -
إحالات إلى المحاكم ولا نرى محكومين!
حين يؤكد جلالته خلال لقائه بأعضاء اللجنة الملكية لتعزيز النزاهة على ضرورة الإسراع في البت بقضايا الفساد ومحاسبة كل من تثبت إدانته، ويقول: "قلق المواطنين من ظاهرة الفساد أمر لا يمكن تجاهله" فإن هذه الكلمات المحدودة في عددها تعكس فهما دقيقا لهموم المواطن وترسم منهجية وخطة واضحة المعالم لتنفيذ استحقاقات مرحلة يشهد فيها الوطن تحولات سياسية وإصلاحية هامة، وتمنح هذا الوطن طوق النجاة في مناخ إقليمي تعصف به المتغيرات والتناقضات. ولكي يبقى وطننا شامخا بمؤسساته وشعبه، سيبقى الجهاز القضائي هو صمام الأمان لاستقرار الوطن، ولكن هذا لن يدوم إذا لم يتم تبني آليات جديدة وفاعلة من شأنها تسريع إجراءات التقاضي.
فهل نستطيع ترجمة توجيهات جلالته إلى واقع يتلمس المواطن آثارة؟ فمثلا هل يستطيع القضاء الاستجابة لهذه التوجيات وطمأنة المواطنين واستعادة ثقتهم بمؤسسات الدولة خاصة وأن قضايا الفساد أصبحت أدلتها أوضح من الشمس بينما إجراءات التقاضي أبطأ من السلحفاة والمتهمون بالفساد يمارسون حياتهم العادية وأكثر، فمثلا أحد المتورطين بالفساد شوهد على شاشة التلفزيون الأردني بعد خروجه من السجن بفترة قليلة يجلس على مأدبة الغداء مع دولة رئيس الوزراء! وآخر كبد سوق المال الأردني خسائر بالمليارات حيث ساعد العديد من المتهمين - وبعضهم هرب خارج البلاد - على التلاعب بأموال المواطنين واختلاسها.. حتى هذه اللحظة لم تجرؤ أي جهة رقابية أو قضائية على فتح ملف للتحقيق معه رغم الشكاوى التي قدمت ضده، واكتفت الحكومة بإقالته وحين سألنا لماذا لم يتم التحقيق معه قيل لنا أن الرجل مريض ويقضى معظم وقته في المستشفى، وكأننا ألغينا دور القضاء ولم يعد بمقدور الدولة معاقبة الفاسدين.
إن وجود إجراءات قانونية تحول دون بطء التقاضي وتمنع المماطلة سوف تسد الثغرات على كل من تسوّل له نفسه المساس بالمال العام، وفي نفس الوقت سيؤدي ذلك إلى تقليل التوتر لدى المواطنين الذين ينتقدون هيئة مكافحة الفساد – خاصة - وغيرها من الجهات الرقابية والقضائية ببطء الإجراءات، علما بأن هيئة مكافحة الفساد تحقق وتتهم وتحيل إلى القضاء، فإصدار الحكم هو شأن قضائي لا علاقة لهيئة مكافحة الفساد به. وهنا يمكن أن نقترح وعلى سبيل المثال لا الحصر..
1. تشكيل لجنة صلح (أو لجنة مصالحة وطنية) في الديوان الملكي تكون مهمتها استرداد المال العام فور اكتشاف الحالة (أو حين تكون في بداية مرحلة التحقيق) وقبل الإحالة إلى الإدعاء العام أو الجهات القضائية حيث يمكن في هذا الحالة ومن خلال اجتماع مغلق مع المتهم ووجهاء عشيرته تسوية المخالفات والتجاوزات واسترداد المال العام دون الحاجة إلى المساس بسمعة العشيرة التي ينتمي إليها المتهم وحفاظا على سمعة الأردن لأن كل خبر ينشر . كما يمكن لهذه اللجنة التدخل لتسريع إجراءات التسويات والمصالحات في الملفات الّتي يُمكن إقرار التسويات والصلح فيها.
2. تشكيل لجنة "حفظ المال العام" مهمتها تدقيق وتقييم ومتابعة ومراجعة سلامة تطبيق الحجوزات وتقييم الضمانات والكفالات وأي إجراءات تحفظية لصالح ملفات الفساد، ومتابعة الأموال المهربة من قبل من تصدر أحكام بحقه عن طريق الإنتربول.
3. تكليف أحد المحققين من الضابطة العدلية ممن اشتركوا مع الفريق الذي حقق في الملف المعني للمتابعة والمراجعة مع الجنة القضائية المكلفة بالنظر في الملف.
4. مطالبة المتهمين ومحاميهم بأن يقدموا حصرا لبيناتهم وشهودهم في أول جلسة من جلسات القضية، والطلب من المتهمين ومحاميهم تقديم بيناتهم مرة واحدة.
5. وضع معايير محددة لانتقاء الهيئة القضائية التي تنظر في قضايا الفساد بحيث تضم هذه الهيئات قضاة صالحين بحسب تكوينهم وشخصيتهم وخبرتهم وعلمهم ونزاهتهم، إلى جانب الاهتمام بالتخصص في العمل القضائي أو وجود خبرة لدى القاضي في موضوع القضية قيد النظر، على الرغم من أن ظاهرة التخصص في العمل القضائي لا زالت بعيدة جدا عن الطموحات ولا تلبي الاحتياجات.
6. وضع ضوابط خاصة تحول دون زيادة أمد التقاضي في ملفات الفساد، مثل ضمان استقرار القضاة في مواقعهم، وعدم تبديلهم بالنقل أو الانتداب أو الاعارة إلى أن يتم الفصل في القضية المنظورة، ووضع اجراءات تحول دون ممارسات بعض وكلاء الخصوم في ابتداع اسباب المماطلة والتأجيل بحيث يكون للمماطلة والتأجيل آثار على تلك الجهة. بالإضافة إلى وضع ضوابط لضمان تبليغ المتهمين أصوليا من أول مرة وفي أقصر وقت، حيث بعض المتهمين يرفضون استلام التبليغ أو قرار الاتهام بهدف المماطلة وتمضي شهور عديدة ولم يتم الحصول على تبليغ أصولي واحد.
7. أن يتم رصد العيوب التشريعية المتعلقة ببعض الإجراءات المنصوص عليها في قانوني "أصول المحاكمات الجزائية"، و"أصول المحاكمات المدنية" بحيث يتم تفاديها منعا لزيادة أمد التقاضي.
هذه بعض المقترحات لعلها تجد النور كي تصبح طموحات المواطن واقعاً يلمسه بعد طوال انتظار من أجل تهدئة النفوس وتحقيق الأمن الاجتماعي. لذا، من المتوقع أن تكون أولى أولويات خطة عمل اللجنة الملكية لتعزيز النزاهة هو اتخاذ كل ما يلزم لضمان سرعة ونجاعة البت في قضايا الفساد، فقد أصبحت الحاجة ماسة لتنظيم وتنسيق عمل كافة الأطراف المعنية بشؤون الفساد من جهات رقابية وقضائية وغيرها من أجل التوصل إلى جملة من الإجراءات والقرارات التي تسهم في تسريع الفصل في قضايا الفساد المنظورة لدى المحاكم والتي تشغل الرأي العام في الأردن. إن تنظيم ورشة عمل لفتح مثل هكذا حوارات وما يتوقع أن ينبثق عنها من توصيات ومقترحات بالتأكيد سيكون لها الأثر الكبير في تفعيل الدور المجتمعي في مكافحة الفساد، وتحقيق نتائج ملموسة وسريعة في إطار منع هدر المال العام وتطوير الأداء الحكومي المتعلق بمكافحة الفساد.
د. قاسم نعواشي