أثار العديد من الناس الشكوك في إجراء الانتخابات النيابية القادمة في الأردن، رغم البدء بالعديد من الإجراءات الرسمية لذلك الاستحقاق الدستوري، والذي نشأ نتيجة حل مجلس النواب السادس عشر.
والناظر بجدية للمشهد السياسي الداخلي والخارجي؛ يستنبط أن الانتخابات ستعقد في موعدها دون تأخير، حيث أن كل الأجواء تشجع على إجراء تلك الخطوة الدستورية؛ لأنها مأمونة العواقب والنتائج، وعلى كل الأطراف.
ولعل الحالة الكويتية والمشابهة للأردن، من حيث نظام الحكم والبرلمان، وقانون الانتخاب إلى حد ما، ثم مقاطعة الحركة الإسلامية وبعض العشائر للانتخابات، ورغم كل ذلك، فقد تم الانتخاب وعلى قانون الصوت الواحد، وكانت نسبة المقترعين ما يساوي 41% من نسبة المسجلين للانتخاب، ونشأ برلمان جديد، وبخارطة سياسية جديدة، ووجوه مختلفة كذلك. ولعل الحركة الإسلامية هنالك تشعر ببعض الندم، لأنهم سمحوا للتيار الشيعي بأن يكون الأقوى.
أما في الانتخابات الأردنية، فكانت نسبة التسجيل مقبولة، حيث بلغت النسبة العامة ما يقارب 60% ، ولكن في بعض المحافظات ذات البعد العشائري بلغت النسبة أعلى من 90% . ومن المتوقع أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات بما لايقل عن 55% وهي نسبة معقولة . وتفوق نسبة الحالة الكويتية.
ولعل صدور بعض الإشارات من المقاطعين للانتخابات ؛ سواء كانت مقصودة أم غير مقصودة، تشير إلى أنهم ربما ندموا على قرارهم بالمقاطعة تسجيلا وترشيحاً ؛ فمن ذلك إشارة الشيخ حمزة منصور إلى القبول بعودة المجلس السابق، ثم التوافق على قانون انتخاب جديد. على الرغم من قوله وحزبه بعدم ثقته بالمجلس النيابي السابق. ويضاف لهذا فكرة د. نبيل الكوفحي بأن يكون المجلس القادم مؤقتاً ويعرض عليه قانون انتخابي جديد ، ثم يحل المجلس، وتعقد انتخابات نيابية جديدة. وزاد الأمر كذلك بعد المبادرة الأردنية للبناء( زمزم) وظهور بوادر خلاف داخلي كبير في أكبر جماعة سياسية مقاطعة، ومن المرشح تطوره بعد الانتخابات. وهو ما تتمناه العديد من الجهات. ثم فتور قوة ونشاط الحراك الشعبي، واحتواء اندفاعته ، مما يرجح إجراء الانتخابات النيابية.
وإجراء الانتخابات في موعدها يساعد أيضاً على نزع فتيل الاحتقان الداخلي جزئياً، ويقلل من حجج المعارضة السياسية ، ويبرز الصورة المشرقة عن المشاركة السياسية الحقيقية والديموقراطية، والتي تتوافق مع المعايير الدولة، خاصة بعد تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات
وإذا كانت العوامل الداخلية لها الأثر الكبير في إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ، فإن العوامل الخارجية لها نصيب كذلك، فلقد كان لفوز أوباما بالولاية الثانية أثره في الدول العربية ذات نظام الحكم الوراثي. فالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط _على ما يبدو_ تقتضي تغيير أنظمة الحكم الجمهورية، والإبقاء على أنظمة الحكم الوراثية، مع إجراء تعديلات دستورية واسعة بحيث تُعطى للقوى السياسية الشعبية سلطة سياسية كبيرة شكلاً ومضموناً وواقعاً، أو ما يطلق عليه الملكية الدستورية.
والأوضاع السياسية المحيطة تقتضي إجراء الانتخابات في موعدها، فسوريا والتي أصبحت ممزقة، ولا يستطيع أي طرف تحقيق انتصار حاسم، سواء المعارضة المبعثرة، أم النظام الجريح، وهي مرشحة للمزيد من عدم الاستقرار. ولذا فإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، يشيرلنظام سياسي مستقر، لا يتأثر بالحالة السورية، رغم انعكاس بعض آثارها عليه، ولا يخشى من امتداد تلك الحالة إليه، لأنه يعتمد على قاعدة نيابية وشعبية مؤثرة، تسطيع مواجهة أي تطورات محتملة. .
ثم قبول فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، واستقبال محمد عباس في عمان ولأول مرة كرئيس دولة، وتبعها الزيارة الأولى لجلالة الملك لرام الله ، للتأكيد على الاعتراف الرسمي بتلك الدولة، ثم صدور إشارات عدة تنبأ عن حل سياسي في الأفق للضفة الغربية ، وربما تشكيل اتحاد كنفدرالي مع الأردن، بعد الإنسحاب من جانب واحد، ودون توقيع أي اتفاق مع الجانب الصهيوني، وإنضمام حماس لمنظمة التحرير، كل ذلك مما يساعد على ضرورة إجراء الانتخابات. وإعادة رسم الصورة السياسية للدولة.
وإذا كان بعض رموز المعارضة قد راهن على إجراء الانتخابات في موعدها، فإن عدم إتمام ذلك الاستحقاق الدستوري يجعل من المعارضة السياسية وكأنها الفائزة والمنتصرة. كما أن عدم تنفيذ الانتخابات سيعد دستورياً المجلس السابق للانعقاد ، وهوغيرالمقبول شعبياً.
ولذا فالانتخابات النيابية ستجري في موعدها وبمن انتخب، وستحرص كل الجهات المعنية على اشراك أكثرعدد ممكن من ألوان الطيف السياسي والديموغرافي في الأردن.وما تراجع حزب العدالة والإصلاح عن موقفه إلا البداية.
ومن الجدير قوله أن الانتخابات القادمة سيكون الحكم عليها حاسماً، من حيث الثقة بالعملية السياسية مستقبلاً، وسينزع أو يزيد من أوراق المعارضة السياسية. ولذا فمن المتوقع أن تكون تلك الانتخابات بعيدة كل البعد عن كل سلبيات الانتخابات السابقة، بكل أشكالها وألوانها. وكأن لسان حال الجميع يقول: لنقبل بما تخرجه الانتخابات دون تدخل من أي جهة كانت.