زاد الاردن الاخباري -
ربما يكون موضوع آلية الدعم الجديدة اشبع من النقاش و الانتقاد على كافة المستويات. بيد أن ما يتسرب من اخبار عن نية الحكومة رفع اسعار الماء و الكهرباء في 2013 يزيد من اهمية مراجعة هذه الآلية لأجل تجنب الاخفاقات التي عانت منها مؤخرا و ادت الى التأثير سلبا على مستوى معيشة المواطن.
تواجه الحكومة في الآلية المستخدمة حاليا لتعويض المستحقين جملة من الاشكاليات الممكن وصفها بالجذرية والهيكلية.
فابتداء، لا تمتلك الحكومة تعريفا واضحا ودقيقا للطبقة الوسطى والفقيرة بشرائحها المختلفة رغم إجراء دراسات سابقة عجزت عن ملامسة الواقع.
ذلك أن حد الفقر لأسرة من 5 اشخاص لا بد و ان يتجاوز مستوى الـــ 380 دينار المعلن في البيانات الرسمية.
كذلك، لا يمكن اعتبار دخل 800 دينار للأسرة المعيارية بخمسة اشخاص على انه حد دقيق ومنطقي حتى لأدنى شرائح الطبقة الوسطى. ويكفي ان نتخيل هذه العائلة تقطن منزلا مستأجرا حتى لا يتبقى لكل فرد من افرادها اكثر من 100 دينار شهريا.
المشكلة الثانية التي تواجه الحكومة في آليتها الحالية تعود الى استحالة تحديد الدخل الحقيقي للفرد و الاسرة.
فمن جهة يشكل اقتصاد الظل غير المسجل رسميا 40 بالمئة من الاقتصاد الوطني وبما يناهز 9 مليارات دينار سنويا.
و من جهة أخرى، لا تمتلك دائرة ضريبة الدخل بيانات واقرارات كافية من المكلفين ضريبيا مما يعقد من قدرة الدولة على تحديد الدخل الحقيقي للافراد.
فبحسب دراسات سابقة، يتبين أن عدد المكلفين المسجلين لدى دائرة ضريبة الدخل لا يتجاوز الـــ 100 الف مكلف عدد الفعال منهم لا يتجاوز الـــ 40 الف مواطن.
اذا كانت الحكومة لا تمتلك تعريفا اجتماعيا و اقتصاديا دقيقا للمكلفين، و لا تمتلك ايضا تقديرا دقيقا و حقيقيا لدخول رعاياها الافراد، ولا تستطيع ايضا احصاء مصادر الدخل الاخرى مثل الارث و نشاطات الظل، فكيف يتوقع من آلية كالمطبقة حاليا ان تحقق العدالة في دعم المستحقين لمواجهة الاعباء الاضافية المترتبة على ارتفاع اسعار المحروقات؟
والسؤال الجدير بالتناول ايضا: لماذا اختارت الحكومة الدخل الاقل من 800 دينار و ليس 850 دينارا؟ و ماذا اذا كان صاحب الــ 850 دينارا مستأجرا ينفق 300 دينار شهريا بينما يمتلك صاحب الـــ 800 دينار منزلا ورثه عن والده سابقا؟ الا يقلب السيناريو السابق احقية استحقاق الدعم من الاكثر الى الاقل دخلا؟
السيناريوهات المحتملة لا حصر لها، خصوصا في ظل ضعف دور دائرة الضريبة كقاعدة لبيانات الدخل و اتساع اقتصاد الظل و امتداد العائلات الاردنية و تشابكها.
بغية التغلب على الاشكاليات السابقة و تجنب تبعاتها السلبية خصوصا في حال رفع الدعم عن الماء و الكهرباء، يجدر بالحكومة تبني مقترح جديد بآلية معاكسة تماما لتلك المتبعة حاليا.
فالأجدى ضمن هذا الاقتراح ان تستثني الحكومة الـ 20 بالمئة الاغنى من المجتمع وتوزع الدعم النقدي على 80 بالمئة من الاردنيين، عوضا من أن تحاول تحديد الـــ 20 بالمئة الافقر لتستهدفهم بهذا الدعم.
تبني هذا الاقتراح يضمن على الاقل وصول الدعم لجميع مستحقيه الى ان تستطيع الدولة تدريجيا تطوير قاعدة بيانات الدخول و التقليص من اقتصاد الظل، و بحيث تبدأ نسبة الـــ 20 بالمئة الاغنى تدريجيا بالارتفاع حتى نصل بعد 5 او 10 سنوات الى مرحلة تقديم الدعم النقدي الى الفئة الحقيقية المستحقة وحدها دون سواها.
تحديد الـــ 20 بالمئة الاغنى من المجتمع لن يكون عصيا على الحكومة خصوصا أن جزءا من هذه الفئة جاهز للإقرار بعدم حاجته للدعم، بينما الجزء الاخر يسهل تحديده من بيانات الضمان الاجتماعي و الضريبة و دائرة الاراضي و غيرها من الجهات الرسمية.
ربما يكلف السيناريو المقترح خزينة الدولة مزيدا من النفقات. بيد أن المردود اكبر بكثير و يتمثل في تحقيق قدر اكبر من العدالة و تحصين المستحقين من تضخم قد يؤثر سلبا على نسب النمو و ايرادات الدولة، ناهيك طبعا عن ما قد يرتبه هذا التضخم من آثار سلبية على المستويين السياسي و الاجتماعي.
بالمناسبة، كان اقتراح رئيس الوزراء عندما التقى كتابا صحافيين (قبل قرار الرفع) يفضي الى توزيع الدعم النقدي على 5.5 مليون اردني يعيشون على ارض المملكة وبالتساوي. حجة الرئيس في اقتراحه أن ذلك مشابه لما تم التعرض له سابقا و على مقولة "ليش ابو الــ800 مش ابو الــ850؟".
تنفيذ الحكومة كان مختلفا تماما عن طرح الرئيس، مقابل تقارب واضح بين مقترح هذا التقرير و الطرح السابق لرئيس الوزراء مع فارق واحد...استثناء الـــ20 بالمئة الاغنى و توزيع الدعم على 80 بالمئة من الاردنيين المقيمين على ارض المملكة بالتساوي.
العرب اليوم