ما كنا نحب إسترضاء الصحفيين على حساب الثقافة والمثقفين - العالم يتجه نحو الصحافة الإلكترونية والأردن يجب أن يكون في سياق التطور - إختزال الإعلام الأردني بشريحة معينة ضلالة وكل ضلالة في النار - لا أحد يستطيع إنكار دور وتأثير الصحافة الأسبوعية والمواقع الإلكترونية - مقاييس التصنيف الحكومي للإعلام غير سليم وغير دقيق - الزملاء في «بترا» ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون يستحقون الأفضل - هل الصحافة الأسبوعية والمواقع الإلكترونية مستثناة من عقلية الحكومة المنفتحة؟ - نريد لهذه الحكومة أن تكون حكومة كل الأردنيين وكل الإعلام الأردني بلال حسن التل للمرة الثالثة على التوالي ، أجدني مضطراً للكتابة حول موضوع الإعلام الأردني ، ولذلك أسباب كثيرة ، أولها: إيماني المطلق بأهمية الإعلام ورغبتي الشديدة بأن يمتلك بلدي جهازاً إعلامياً قوياً ومتفوقاً لأن الإعلام صار من مقاييس قوة الدولة وحضورها. وأحب أن يكون بلدي قوياً وحاضراً في المشهدين الاقليمي والدولي. وثانيها: أمنيتي بأن تتكلل تجربة الرئيس الرفاعي بالنجاح ، فنجاحها نجاح لبلدنا ، ونجاح لجيل جديد من الشباب الأردني الذي سيواكب مسيرة جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين. وثالثها: الحماس الحكومي غير المسبوق لتنظيم قطاع الإعلام ، وإعطائه أولوية على قضايا كثيرة ، تحتل أولويات متقدمة لدى الشريحة الأكبر من الأردنيين المسكونين بقضايا العيش اليومي ، بما فيه من أزمات ، ابتداء من الغلاء وصولاً إلى التأمين الصحي: خاصة في ظل تراجع الخدمات الصحية المقدمة من الحكومة لمواطنيها مروراً بأزمات المواصلات والاتصالات ، وتنامي الضرائب الحكومية التي تلسع سياطها ظهور الأردنيين الذين صاروا يتوقعون ان تسن حكوماتهم تشريعات لتفرض ضرائب على الهواء الذي يتنفسونه ، فقد صارت الجباية وظيفة حكوماتنا الأولى والرئيسة ولا نريد أن نقول الوحيدة. وعلى ذكر الضرائب والتشريعات ، نستأذن دولة رئيس الوزراء بنقطة نظام ، فقد أعلن دولته إلغاء ضريبة الثقافة عن الصحف ، أثناء لقائه مع الزملاء رؤساء تحرير الصحف اليومية ، كما ورد في وسائل الإعلام. وبذلك يكون دولة الرئيس قد وقع في هفوة تشريعية ما كنا نتمنى أن تقع. فليس من حق رئيس الوزراء إلغاء تشريع بقرار منه. ذلك أن التشريع لا يُلغى إلا بتشريع. ومن المعروف أن ضريبة الثقافة فرضت بقانون ، لذلك فإن إلغاءها يتم بقانون دائم أو مؤقت. وقد كنا نحب أن يعلن دولة الرئيس نية الحكومة إصدار قانون بإعفاء الصحافة من ضريبة الثقافة ، لا أن يعلن إلغاء الضريبة دون الإشارة إلى القانون ، هذا من حيث الشكل. أما من حيث المضمون ، فقد كنا نحب أن «لا تستوطي» الحكومة حائط الثقافة ، كما «تستوطي» حائط الإعلام. وأن يكون الإعفاء لوسائل الإعلام من ضرائب أخرى ، أشد وأقسى تعاني منها الصحافة والصحفيون. مثل ضريبة المبيعات على الإعلانات. أو أن يتم إعفاء الصحف من الرسوم الجمركية ..الخ..الخ أما أن يتم استرضاء الإعلام على حساب الثقافة ، فإن ذلك يعطي مؤشراً سلبياً ما كنا نحب لحكومة ما زالت في أول عهدها ونتمنى لها النجاح ، أن ترسله للثقافة والمثقفين. وإذا كنت قد استأذنت دولة الرئيس بنقطة النظام المبينة أعلاه. فإنني استأذنه في أن أنقل إليه عتبي ، وعتب الكثيرين من الزملاء الصحفيين والإعلاميين. فقد ورد في الحديث المنسوب إلى دولته ، أثناء لقائه مع رؤساء تحرير الصحف اليومية قوله «إن الحكومة تتعهد كذلك بزيادة حصة الصحف اليومية من الإعلانات الحكومية لزيادة مواردها ودعم هذه المؤسسات ، وتمكينها من استمرار أداء مهمتها الوطنية بالإضافة إلى تحسين أوضاع العاملين فيها». فدولة الرئيس في تصريحه هذا ، يختصر الإعلام الأردني ، والدور الوطني للإعلام بشريحة بعينها. بدأت تفقد الكثير من دورها وتأثيرها في العالم عموماً ، ذلك أن الصحف اليومية خاصة منها التي تجعل همها الأكبر الإعلان والخبر: لم تعد قادرة على منافسة الفضائيات ، ولا المواقع الإلكترونية في هذا المجال. لذلك صارت الكثير من الصحف اليومية العريقة في العالم تتجه إلى منافسة الأسبوعيات في التحليلات والتحقيقات والدراسات والمقالات ، وصار بعضها يتعمد إصدار عددْ أسبوعيْ مميزْ يقدم فيه وجبة دسمة لقرائه ، خاصة أيام العطلة الأسبوعية للمحافظة عليهم ، ولسد المنافذ أمامهم حتى لا يستمر رحيلهم إلى الصحف والمجلات الأسبوعية والمواقع الإلكترونية. بل أكثر من ذلك فإن معظم الصحف في العالم بما فيها الصحف العريقة صارت تتجه للتحول إلى الصحافة الإلكترونية وصار الكثيرون يؤمنون بأن المستقبل للصحافة الإلكترونية ونعتقد بأن الأردن لا يمكن أن يكون خارج سياق التطور العالمي ليسعى إلى منع الصحافة الإلكترونية ، وإن كان من حق حكومته أن تنظم الصحافة والمواقع الإلكترونية لحماية الناس من انفلات بعضها. هذه واحدة أما الثانية فخلاصتها: أنه لا أحد في الأردن يجادل في حجم وحضور وتأثير الصحف الأسبوعية. والمواقع الإلكترونية وانتشارها. بدليل أن كبار المسؤولين والسياسيين يحرصون على متابعتها أكثر من حرصهم على متابعة بعض اليوميات. وبدليل أن ما ينشر في هذه الصحف والمواقع يشغل حيزاً كبيراً من أحاديث الناس سواء في الصالونات السياسية ، أو في دواوين العشائر ، أو جمعيات البلدات والقرى ، وفي الدوائر والمؤسسات والشركات ، وبدليل أنها صارت شغل الحكومات الشاغل في بلدنا منذ أكثر من عقدين. ومن أجلها سُنّت القوانين والأنظمة وصدرت التصريحات وأُتخذت المواقف. غير أن ذلك كله لم يجد ، لأن الحكومات المتعاقبة ظلت تدور حول المشكلة المتمثلة بأنفلات بعض الأسبوعيات وبعض المواقع الإلكترونية. ولم تذهب لعلاجها بصورة شمولية وجذرية وصريحة. بما فيها الحكومة الجديدة ، التي تؤشر كل إجراءاتها ، وتصريحات المسؤولين فيها على أنها تنظر إلى الإعلام بنظرة تقسيمه: تجعل من بعض الإعلاميين «أبناء الست» وبعضهم الآخر«أبناء الجارية». أو بعضهم «خيار» وبعضهم الآخر«فقوس». وفي كل الأحوال فإن المؤشرات تدل على ان مقاييس تصنيف الحكومات للإعلام غير سليمة وغير دقيقة. لأنها مرتبطة بمقياس مواعيد الصدور. وقد فات الحكومات المتعاقبة أن في الصحافة الأسبوعية وفي المواقع الإلكترونية قامات مهنية وفكرية وسياسية كبيرة ، ليس على مستوى الأردن فحسب ، بل على مستوى المنطقة العربية. كما فاتها أن في بعض الصحف اليومية ممارسات غير مهنية أكثر بكثير مما في بعض الصحف الأسبوعية وبعض المواقع الإلكترونية. فإذا أضفنا إلى ذلك ، ما سبق وأن أشرنا إليه من تأثير الصحف الأسبوعية والمواقع الإلكترونية بفعل مهنيتها وارتفاع سقفها وشجاعتها التي تجعل الكثيرين من كبار الكتاب حتى في بعض اليوميات ، يهربون إليها لنشر آرائهم الحقيقية التي يضيق بها السقف المتدني للحرية في بعض اليوميات. نجد أن الحكومة تسدد في المرمى الخطأ. عندما تحاول عزل الأسبوعيات والمواقع الإلكترونية ولا تتواصل معها بصورة منتظمة. نعود إلى حديث دولة رئيس الوزراء مع رؤساء تحرير الصحف اليومية. وهم زملاء أعزاء نجل ونحترم ، لكننا نقول: إن الحكومات أخطأت وما زالت تخطئ عندما تختزل الجسم الإعلامي والصحفي على وجه الخصوص. وتحصر نقل التوجهات الحكومية بهم ناسية أو متناسية ، أن الزمن لم يعد هو الزمن. وأن الصحف اليومية لم تعد وحدها المؤثرة في توجهات الرأي العام وبناء القناعات والمواقف. بدليل هذا الصخب الذي يجري في بلدنا حول الصحف الأسبوعية والمواقع الإلكترونية. التي تشهد إقبالاً متزايداً من الأردنيين عليها. لذلك نهمس في أذن دولة الرئيس أنه إذ سبق وأن ضلّت حكومة من حكوماتنا الطريق. فحصرت إتصالاتها بشريحة إعلامية واحدة ، فقد آن أوان تصحيح هذا الضّلال ، الذي يدخل في باب البدعة. فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.لذلك نتمنى أن تتصدى هذه الحكومة لتصحيح هذا الخطأ ، وأن تكون حكومة كل الأردنيين وكل الإعلام الأردني ، ليكون كل الإعلام الأردني سنداً لها مدافعاً عن توجهاتها. ثم إنني أستأذن دولة الرئيس مرة أخرى تعليقاً على حديثه مع الزملاء رؤساء تحرير الصحف اليومية لأسأل: هل الصحف اليومية وحدها التي تؤدي مهمة وطنية؟. وأين نحن في «اللواء»؟ ، وفي الكثير من الصحف الأسبوعية ، والمواقع الإلكترونية والزملاء في بترا ، ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون؟ ألا يؤدي هؤلاء جميعاً مهمتهم الوطنية دفاعاً عن الأردن. وإبرازاً لمنجزاته؟. فلماذا لا تفكر الحكومة في تحسين أوضاع هؤلاء جميعاً ليستمروا في أداء دورهم خدمة لبلدهم ودفاعاً عنه؟ فالصحف الأسبوعية مؤسسات أردنية يمتلكها أردنيون. كما أنها خاضت معارك الأردن في أحلك الأوقات. والمواقع الإلكترونية يمتلكها ويديرها أردنيون. والعاملون في بترا ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون صحفيون أردنيون يستحقون الأفضل ، من حيث أعلى الرواتب ، وأفضل الظروف ، وأحدث الأجهزة والمعدات. إذا كنا نريد بناء مؤسسة إعلامية أردنية حقيقية قادرة وفاعلة ومؤثرة. نقطة أخرى في حديث دولة الرئيس أحب أن أتوقف عندها: فقد أشار دولته إلى أن إحدى الصحف الأسبوعية حصلت على اشتراكات حكومية مقدارها 43 ألف دينار ، رغم أنه لم يصدر منها سوى عدد واحد. لنقول لدولته في هذه النقطة ما سبق وأن قلناه لأسلافه من أن الحديث المعُمّى والمعمم لا يفيد. فقد طلبنا دائماً من الحكومات المتعاقبة أن تحدد المخطئ لتعاقبه ، أو لتصحح مساره. لأن التعمية والتعميم يحميان المخطئ ويشجعان المسيء. ويخلطان الحابل بالنابل. فتزيد المشكلة تعقيداً على تعقيد. ثم إن هناك ثغرات في قانون المطبوعات والنشر لا بد من سدها لإغلاق المنافذ على المخطئين والمسيئين. بدلاً من الذهاب إلى إعدام قطاع كامل من خلال التضييق عليه. وهو الأمر الذي ينطبق أيضاً على سياسة الاسترضاء التي أشار إليها دولته في أكثر من مناسبة: فهذه السياسة هي خطيئة حكومية وليس خطأ صحفياً. فالحكومات هي التي كانت تسترضي أفراداً ولم تكن الحكومات تدفع للمؤسسات الصحفية لدعمها وتطويرها أو لإسترضائها. النقطة الأخيرة التي أحب أن أشير إليها في حديث دولة الرئيس مع رؤساء تحرير الصحف اليومية هي قول دولته: إن حكومته ستتعامل مع كافة الصحف اليومية بعقلية منفتحة ، وستقف على مسافة واحدة من هذه الصحف. صحيح أن طبيعة اللقاء مع رؤساء تحرير الصحف اليومية قد تكون هي المبرر لهذا التخصيص في الكلام. لكن الأجواء المشحونة وحالة الترقب تجعل المرء يقف عند كل كلمة ليسأل: وهل الصحافة الأسبوعية والمواقع الإلكترونية مستثناة من هذه العقلية المنفتحة؟. لقد أثارت مدونة السلوك الحكومي مع وسائل الإعلام الكثير من اللغط والجدل. غير أن الأمر الذي لا يستطيع أن يجادل فيه أحد ، هو أن قطاع الإعلام في الأردن بحاجة الى إعادة تنظيم. غير أن المطلوب هو شمولية الرؤية ، وشمولية الحل وفق أسس مهنية وسياسية واضحة ومعلنة ، وبغير ذلك سنظل ندور في الحلقة المفرغة. وسيظل الإعلام في بلدنا مشكلة تتزايد تعقيداً. وتظل مصدر توترْ للأجواء السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بلدنا. فالإعلام عنصر تأثير في هذه القطاعات كلها.