لا تُقاس الأمور فقط بالمساحات والأحجام والأعداد والإمكانات الماديّة . فهذه حسابات لها أربابها ووسائلها .
فهؤلاء يغفلون دائما عن أشياء لا يمكن قياسها وحسابها ، فهي خارقة لكل الموازين والحسابات والمقاييس .
ففشلوا ( بشريا ) ، فاستخدموا أحدث ما أنتجته التكنولوجيا ، بعد أن فتح الغرب وأمريكا لهم مخازنها .
ولم يحسبوا أن لله مخازن السماء والأرض ، ومخازنه ملأى لا تنضُب .
إنّها غزّة
في عُرف المحللين الإستراتيجيين والسياسيين والخبراء العسكريين ، ساقطة عسكريا واستراتيجيا .
ولكنّ شعبها وقواه الحيّة وقيادتها كان لهم رأيٌ آخر . فكلُّ إناءٍ بما فيه ينضح .
تمنّوْا أن يصحو يوما ويسمعوا خبر ابتلاع البحر لها ، فابتلعت أحلامهم وهلوساتهم وكيدهم .
قالوا : سنأتيكم بجنود ومعدّات لا قِبل لكم بها ، فجاءتهم برجال يحبون الموت كما يحب أؤلئك الحياة وأشد .
صبّوا عليهم حمما وقذائف من فوقهم ، من البحر والبر من كلّ الجهات ، " فقلنا " يا نار كوني بردا وسلاما على غزة وأهلها ورجال الله فيها .
تخلى أبطال غزّة عن مفاهيم أصبحت بالية متهالكة ولا مكان لها في قاموسهم أو حسابهم
" الكف لا يُقابل المخرز " و " القوّة تهزم الشجاعة " و " الجيش الذي لا يُقهر "
فقابل الكف المخرز وأبطل مفعوله . وانتصرت العزيمة والإرادة للإنسان على القوّة المجنونة . ومقولة الجيش الذي لا يُقهر شُطبت باللون الأحمر الزّكي الطاهر .
كان احتلال غزّة بالنسبة لهم لا يحتاج إلا للوقت التي تنتشر فيه مركباتهم من أقصاها إلى أقصاها وحسب سرعتها وقرارهم .
فما الذي تغيّر ؟ وما هي المعادلة الجديدة التي جعلتهم يقصفونها من الخارج دون التّورّط بدخولها ؟ هل هي حالة إنسانية جديدة أصابتهم ، أم أن مناظر أشلاء ودماء أطفال غزّة ونساءها ورجالها جعلهم أكثر طيبة وتسامحا ؟ ولعلّ ذلك راجع لضغوط الدول العربية وتهديدها إن لم توقف العدوان فإنّها ... ستحتج !! وربما يكون القرار الحاسم في ذلك خوفهم من مجلس الأمن وقراراته والنظام العالمي الجديد والقديم .
إنّها ملحمة الإرادة والعزيمة والاعتماد على الذّات . فأعدّوا ما ( استطاعوا ) من قوّة ، وأخلصوا نواياهم ، واستعدوا للشهادة . ومن يفعل هذا يأتيه معيّة الله وعونه وتأييده ، تُكمل النقص وتشد الأزر وترفع المعنويات وتثبّت الأقدام . وما رميتُ إذ رميتُ ولكنّ الله رمى .
ومع ذلك وقبله ، قيادة واعية مضحيّة تتقدم الصفوف ، تعيش بين شعبها كأحدهم ، تُقدّم نفسها وأبناءها وأهليها كأي مواطن آخر . وعندما علم الله صدقهم ( والله أعلم بالنوايا والقلوب ) كان هذا النصر الذي اضطروا لتوسيط دول كي يتم وقف إطلاق النار .
وقد أهدوا هذا النّصر لشعوب العالم العربي والإسلامي ، وخصّوا بالشكر مصر الثورة وقيادتها وتركيا وقطر ودولا أخرى . وما النصّر إلا من عند الله . إنّها غزّة أيها القوم فأدّوا لها التحيّة .